للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخطب الخطباء في الحفل معبرين عن شعورهم بلقاء الأديب الكبير أو عميد الأدب العربي كما كان يسمى يرحمه الله، وقام العطار لا ليذكر محاسن المحتفى به، وإنما ليدلي برأيه في الخصام الذي كان مستعرًا في ذلك الوقت بين العقاد وطه حسين وكانت مجلة الرسالة تنشر للأديبين الكبيرين مقالاتهما النارية ضد بعضهما البعض وكان عنوان هذه المقالات "لاتينيون وسكسونيون" واللاتينيون هم الذين درسوا في فرنسا وطلبوا العلم في جامعاتها، فاتسمت ثقافتهم بهذا الطابع الفرنسي الذي عبر عنه باللاتينية والذي كان يمثله الدكتور طه حسين يرحمه الله، أما العقاد فقد كان يتقن اللغة الإنجليزية وقد قرأ الكثير من مؤلفات الشعراء والعلماء والأدباء والمؤرخين بهذه اللغة "السكسونية" فنسب إليها في هذا الخصام بينه وبين طه حسين باعتباره يمثل الطرف السكسوني أو الانجليزي بحكم ثقافته في هذه اللغة.

كنت أنا والأستاذ/ محمد حسين زيدان نجلس إلى مائدة واحدة في حديقة منزل الشيخ محمد سرور الصبان يرحمه الله حينما قام العطار وألقى خطابه المكتوب ينتصر للعقاد ضد طه حسين، وشعرنا أنا والزيدان بالحرج مما فعله العطار، ولعل الشيخ محمد سرور الصبان شعر بحرج أكثر، ولكن طه حسين يرحمه الله لم يلبث أن نهض للرد على كلمات الخطباء وخصص الجزء الأكبر من خطابه للرد على كلمة العطار، وكان الرد بليغًا، وقد كتب محمد حسين زيدان يرحمه الله في اليوم التالي في جريدة البلاد السعودية يصف الموقف ويلوم العطار على فعلته، لأن المقام لم يكن ليسمح له بفعل ما فعل.

أردت من سرد هذه الحادثة أن أذكر أن العطار كان في إعجابه بالعقاد قد ذهب بعيدًا حتى سمح لنفسه بالاقدام على نقد طه حسين في حفل أقيم لتكريمه في مكة المكرمة بعيدًا عن مصر وعن العقاد وفي موقف هو موقف التكريم والاشادة.

[الأيام الأخيرة في حياة العطار]

مرض العطار وانتقل إلى جدة وعصر يوم من الأيام اتصل بي يرحمه الله وسألني عن تسمية الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه بذي النورين، فأحلته إلى كتابي "عثمان بن عفان ذو النورين"، وكنت أهديته إليه حين صدوره كما أفعل بجميع مؤلفاتي، ويفعل هو يرحمه الله باهدائي مؤلفاته حين صدورها، ورأيت أن أرسل إليه الكتاب مع بعض كتبي الأخرى، وسألته عن محل اقامته لأرسل إليه الكتب ولأقوم بزيارته، وتفضلت زوجته الفاضلة باخباري عن العنوان، وأرسلت إليه كتاب عثمان بن عفان ومجموعة من كتبي الأخرى، وبعث إليَّ مع الرسول بعض آخر مؤلفاته مسجلا اهداءه عليها بخطه الجميل، وكان يتقن الخط كما يتقن فنون كثيرة أخرى مضمنًا الاهداء مشاعره الكريمة وجميل تقديره.

<<  <  ج: ص:  >  >>