للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعود إلى رجل اسمه عمر بازان، أرسله إلى مكة نائب السلطنة بالعراقين الأمير جوبان بن تلك بن تداون، وكان نائبًا عن السلطان أبي سعيد خدابنده ملك التتر وكان الماء قد شَحَّ في مكة وعرفة، وكان الناس في جهد عظيم من قلة الماء، فقد كانت الراوية (١) من الماء تبلغ قيمتها في الموسم عشرة دراهم، وفي غير الموسم سبعة.

ورغب الأمير جوبان المذكور، إنشاء عمل خيري بمكة، فدلَّه بعض الناس على عين كانت تجري قديمًا وتعطلت، فندب بعض ثقاته وأرسل معه خمسين ألف دينار، وجهزه في الموسم سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فلما قضى حجه تأخَّر بمكة، واشتهر أمره، فاعلم بعين عرفة فنادى بمكة: من أراد العمل بالعين فله ثلاثة دراهم في كل يوم، فهرع إليه العمال، وخرج بهم إلى العمل فلم يشق على أحد منهم، ولا استحثَّه، وإنما كانوا يعملون باختيارهم، فأتاه جمع كثير من العرب وعمل حتى العشاء إلى أن جرى الماء بمكة بين الصفا والمروة في ثامن عشر جمادي الأولى من هذه السنة، فكانت مدة العمل أربعة أشهر، وكثر النفع بهذه العين وعظم، وصرفه إلى مكة وإلى مزارع الخضروات.

وكان جملة ما صرف عليها في هذه العمارة مائة وخمسين ألف درهم (٢).

أقول: هذا ما ذكره الشيخ/ الغازي، وقد وجدت في كتاب بدائع الزهور، في أخبار سنة خمس وعشرين وسبعمائة أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون هو الذي أجرى هذه العين، قال ابن إياس:

وفيها - في السنة المذكورة - أرسل السلطان جماعة من البنائين إلى مكة وأجرى بها عين ماء، وهي العين المعروفة بعين بازان، فحصل لأهل مكة بها غاية النفع وهي الآن جارية ويعم نفعها أهل مكة (٣).

[قربة الماء الصغيرة بدينار ذهب]

أورد الغازي عن كتاب بلوغ القرى في حديثه عن الماء ما يلي:

قال العلامة قطب الدين رحمه الله: ثم انقطعت - العين - في أوائل الدولة العثمانية بهذه الأقطار الحجازية، وبطلت العيون لقلة الأمطار - وتهدمت قنواتها - وانقطعت عين حنين عن مكة المشرفة، وصار أهل مكة يستقون من الآبار حول مكة، من ابيار يقال لها "العسيلات" في علو مكة قريبا من المنحنى، ومن آبار في أسفل مكة يقال لها "الزاهر" وتسمى الآن بالجوخي في طريق التنعيم، وكان الماء غاليًا قليل الوجود، وكذلك انقطعت عين عرفات وتهدمت قنواتها، وكان الحجاج يحملون الماء إلى عرفات من الأمكنة البعيدة، وصار فقراء


(١) الراوية هي القربة من الماء.
(٢) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٢٩٦/ ٢٩٨.
(٣) بدائع الزهور مجلد ١ ص ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>