للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسيني القيام به، وأراد الله إتمام المشروع بعد خمسة شهور من إسناد العمل إلى قاضي قضاة مكة كما ذكرنا، ووصل إلى مكة لعشرين بقين من ذي القعدة سنة تسع وسبعين وتسعمائة وقد استمر العمل في مشروع إيصال الماء إلى مكة نحو عشر سنوات، وكان المقدر له عامًا واحدًا، وبلغ ما صرف على هذا المشروع خلال هذه العشر سنوات خمسة لكوك وسبعة آلاف دينار، وكان المقدر له ثلاثين ألف دينار، وقد رغبت ابنة السلطان سليمان العثماني أن يكون لها شرف هذه الصدقة الجارية تشبهًا بزبيدة زوجة الرشيد فدفعت من مالها خمسين ألف دينار ولكن المشروع تضاعفت تكاليفه مائة ضعف فأنفقت عليه الدولة العثمانية من خزائنها طيلة عشرة أعوام، وإذا كانت الأميرة العثمانية لم تحقق ما أرادت، فإن لها ثواب النية الطيبة والأعمال بالنيات.

أقول: خمسة لكوك بمعنى خمسة ملايين والكلمة هندية وهي تعني المليون ومفردها لُكُّ.

[الاحتفال بإيصال الماء إلى مكة]

احتفل الناس في مكة بوصول الماء احتفالًا عظيمًا وصفه صاحب الأعلام بقوله:

وكان ذلك اليوم عيدًا أكبر عند الناس، وزال بوصول ذلك الماء إلى البلد كل هم وباس، وأقام قاضي مكة الذي أكرمه الله تعالى بإتمام المشروع على يديه "اسمطة" موائد عظيمة في الأبطح، في بستان له هناك، دعا إليها الأكابر والأعيان، ونصب لهم السرادقات والصيوان، وذبح أكثر من مائة من الغنم، ونحر عدة من الأبل والنعم، وقدم للناس على صفاتهم الموائد والنَّعم، وخلع على أكثر من عشرة من المعلمين والبنائين والمهندسين حللا فاخرة وأحسن إلى باقيهم بالإنعامات الوافرة، وتصدَّق على الفقراء والمساكين شكرًا لله تعالى على هذه النعمة الجزيلة، وزُفَّتْ البشائر بها إلى السلطان سليم خان، وإلى صاحبة الخيرات بلقيس الزمان، حضرة خانم السلطان، فانعمت بالأنعامات الجزيلة على سائر المبارين والمتعاطين لهذه الخدمة الشريفة الجزيلة، وحصل لمولانا شيخ الإسلام المشار إليه ترقيات عظيمة، وصارت هذه العين من جملة الآثار الباقية على صفحات الليالي والأيام إلى آخر ما ذكره صاحب الأعلام (١).

[مقدار ما أنفقته زبيدة على إيصال الماء إلى مكة]

أورد الشيخ الغازي مقدار ما أنفقته السيدة زبيدة على إيصال الماء إلى مكة فقال:

"أنه ألف ألف وسبعمائة ألف مثقال من الذهب" قالوا: وأحضر القائمون بالعمل دفاترهم لتطلع عليها، وكانت في قصر عالٍ مشرفٍ على نهر دجلة، فأخذت الدفاتر وألقتها في النهر وقالت: تركنا الحساب ليوم الحساب، فمن بقي عنده شيء من بقية المال فهو له،


(١) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٣٣١/ ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>