للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعملون فيها، وكان يقدِّر أن العمل سينتهي خلال عام واحد، وكان التقرير المقدم إلى السلطان يقدر أنه إذا تم تنظيف القنوات التي كان يجري فيها ماء عين زبيدة، وإصلاح ما تهدم منها، وتعميرها يمكن الوصول إلى عين عرفات، ومن ثمَّ العمل إلى إعادة جريانها كما كانت في عهد زبيدة، ولكن المفاجأة التي حدثت أنه حينما اتصل عمل إبراهيم باشا بعمل زبيدة لم يجد العمال دبلًا ولا آثار عمل وتبين لإبراهيم باشا أن زبيدة اصطدمت بصلابة الحجر، وعدم إمكان قطعه في تلك المنطقة فلجأت إلى عين حنين وأنه إذا أراد إبراهيم باشا إيصال عين حنين إلى هذا المكان، فإنه يحتاج إلى شق قناة - دبل - منقور تحت الأرض في الحجر الصوان بطول ألفي ذراع بذراع البنائين، وكان مما يصل إلى الاستحالة نقب ذلك الحجر تحت الأرض، لأنه يحتاج إلى أن يتعمق في الحفر إلى خمسين ذراعًا.

وقام إبراهيم باشا بمحاولة أخرى، هي الحفر في وجه الأرض حتى يصل إلى الحجر الصوان، ثم أخذ يوقد عليه النار، ويقول المؤلف أن إبراهيم باشا أوقد حمولة مائة حمل من الحطب الجزل في ليلة كاملة، وكان العمل في مساحة مقدارها سبعة أذرع في خمسة أذرع من وجه الأرض، وكانت النار لا تعمل إلا في العلو، فإذا نزلت عن وجه الأرض قل تأثيرها فيلين بالحجر من جانب السفل بمقدار قيراطين من أربعة وعشرين قيراطًا، فيكسر بالحديد إلى أن يصل إلى الحجر الصلب الشديد، فيوقد عليه بالحطب الجزل ليلة أخرى وهلمَّ جرَّا إلى أن ينزل في ذلك الحجر مقدار خمسين ذراعًا في العمق في عرض خمسة أذرع إلى أن يستوفي ألفي ذراع تقطع على هذه الصورة.

ويعلق المؤلف فيقول: وذلك يحتاج إلى عُمر نوح، ومال قارون، وصبر أيوب، ولم ير إبراهيم باشا بدًا في الاستمرار في العمل بهذه الطريقة التي وصفناها، حتى فرغ الحطب من جبال مكة، فصار يُجلب من المسافات البعيدة، وغلا سعره، وضاق الناس بذلك، وتعب الأمير إبراهيم وذهبت أمواله ومماليكه، وهو يتجلد عن ذلك إلى أن قطع من المسافة ألف ذراع وخمسمائة ذراع، وصار كلما فرغ المال الذي لديه طلب من مصر مالًا، حتى بلغ ما صرف على المشروع خمسمائة ألف دينار ذهبًا من الخزائن العامرة، وتوفي إبراهيم باشا ناظر العمارة في سنة تسعمائة وأربع وسبعين، بعد استمراره في العمل خمس سنوات، فأسند الأمر من قبل أمير مكة إلى سنجق جدة الأمير قاسم بك، ورفع الأمر إلى السلطان في الأستانة للموافقة، وتوفي السلطان سليمان، وتولى بعده السلطان سليم ابنه، فاختار لإكمال مشروع العين، دفتر دار مصر في ذلك الزمان محمد بك المككجي وحضر الدفتردار المذكور إلى مكة، وشرع في العمل ولكنه توفي في سنة تسعمائة وست وسبعين، ولم يتم إنجاز المشروع فأعيد الأمير قاسم سنجق جدة لمباشرة العمل، وأقره السلطان سليم على ذلك ليكون أمينًا على مصارف العمل وأسند النظارة إلى قاضي القضاة بمكة حسين الحسيني ولكن الأمير قاسم توفي في منتصف سنة تسعمائة وتسع وسبعين، وما زال للعمل بقية، فأمر السلطان سليم أن يتولى قاضي القضاة حسين

<<  <  ج: ص:  >  >>