ومن بقي له شيء عندنا أعطيناه، وألبستهم الخلع والتشاريف، فخرجوا من عندها حامدين شاكرين (١).
أقول: لقد أجرت السيدة زبيدة العين المسماة باسمها والتي كانت من الأعمال العظيمة في التاريخ قبل سبعمائة سنة من تاريخ إجراء العين الجديدة التي أرادت بها ابنة السلطان سليم التشبه بزبيدة يرحمها الله، وبذلت من مالها الخاص ما قدَّرت أنه يكفي لإتمام الشروع العظيم، وإذا كانت لم تتمكن من إتمامه من مالها الخاص، فقد كان لها فضل السبق والبداية، والنية الحسنة، فجزاها الله خير الجزاء.
[لجنة من أثرياء الهند تجمع المال لإصلاح العين]
قصة الماء في مكة كما قلنا لها تاريخ طويل، فلا يكاد يتم وصول الماء إلى مكة ويفرح الناس به إلا وينقطع بعد سنوات تقصر أو تطول، وضمن ما أورده الشيخ/ الغازي من أخبار العيون والآبار المتعلقة بمكة أنه في عام ١٢٩١، اجتمع جماعة من علماء مكة المشرفة بالشريف عبد الله باشا أمير مكة، وهم السادة/ الشيخ عبد الرحمن سراج مفتي مكة، والشيخ/ عبد الله الشيبي فاتح بيت الله الحرام، والشيخ/ عبد الرحمن جمال، والشيخ/ عبد القادر خوقير وغيرهم، وعوَّلوا كما يقول الشيخ/ الغازي على جمع المال من أهل البر والإحسان لإصلاح عين عرفات، وإصلاح عين حنين وإجرائها لإعانة عين عرفات، فوفق الله تعالى أصحاب الهمم العالية، الراجين ثواب الله سبحانه، منهم المرحوم الشيخ/ أحمد أفندي المشاط، فإنه دفع مائة جنيه، وجمع من تجار الهند بجدة مبلغًا، وصادف وجود أشخاص كرام مثل الحاج/ عبد الواحد الشهير بوخدانة الميمني، والحاج/ عبد الله عرب الميمني، فساعدوا على هذا العمل الخيري أحسن مساعدة، وعمَّروا ما تيسر لهم تعميره إلى أن جرى الماء بمكة واستراح الناس قليلًا ولكنهم عملوا وتحققوا أن الأمر مهم، ويحتاج إلى نفقات هائلة.
وفي سنة خمس وتسعين ومائتين وألف رغب الحاج/ عبد الواحد وخدانه والحاج/ عبد الله عرب وبعض جماعة معهما في القيام بهذا العمل الخيري، وذلك بالتفرغ له وجمع الإعانات من كل الجهات الإسلامية.
وصل الرجلان إلى مكة ومعهم من يترجم حديثهم إلى اللغة العربية، وقابلوا أمير مكة في ذلك الوقت وهو الشريف الحسين الشهير فيما بعد بالشهيد، وشرحوا للأمير ما ينوون القيام به، فشكرهم، وأثنى على همتهم وقال لهم، حيث أن الحكومة تدفع سنويًا مبلغ ألف جنيه عثماني لعين زبيدة، فلابد من استئذانها في الأمر، وذكر لهم أنه سيبحث الموضوع مع الوالي التركي، وكان الوالي في ذلك الزمن ناشد باشا.