للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قابل الرجلان ناشد باشا، وعرضوا عليه ما اعتزما عليه، واتفق الشريف والوالي على أن يكتبا سوية إلى الاستانة للحصول على الموافقة المطلوبة من الدولة، وكتبا، وجاء الإذن بالموافقة على الشروع في العمل.

شكَّل الأمير والوالي لجنة تضم جماعة من الأشراف والأهالي وأفاضل المجاورين مثل فضيلة الشيخ/ رحمة الله الهندي، واجتمعت اللجنة وشرعوا في جمع التبرعات التي افتتحها أمير مكة بمبلغ سبعمائة وخمسين ريالًا مجيديًا وتلاه الوالي بمائتين وخمسين ريالًا، وتوالت التبرعات من التجار والأهالي كلٌّ على قدر استطاعته، وتعينت لإدارة المشروع لجنة رئيسها الفخري الشيخ/ عبد الرحمن سراج مفتي الأحناف والحاج/ عبد الواحد خوندا أمينًا للصندوق، ومفوضًا بالنظر والتصرف وكتبت اللجنة إلى جميع الجهات الإسلامية وأعلنوا عن مشروعهم في الصحف بلغات عديدة، وكان المدير التنفيذي باصطلاح عصرنا هذا هو الحاج عبد الواحد الميمني، وكانت الخطوات التنفيذية تتم بعد اطلاع اللجنة عليها والمداولة فيها وتقرير ما يجب تنفيذه، ولا يتم الإقدام على عمل إلا بقرار من اللجنة المذكورة.

تجمَّع في صندوق اللجنة مقدار عظيم من المال يقول المؤلف:

وساعدتهم الحكومة المحلية على هذا العمل الخيري أتم مساعدة، ولم تجعل منها عليهم يدًا أصلًا، إلا بالمساعدة عندما يحتاجون إليها.

وباشرت اللجنة عملها فاستقدمت من الهند المهندسين والصناع، وخرجوا بهم إلى عرفة وحققوا المسافة بين مكة وبين عين زبيدة من وادي نعمان، فوجدوا أنها تنوف على سبعة عشر ألف متر، ورأوا أن البدء بالعمل من عين زبيدة من عرفات أنفع فشرعوا في العمل باجتهاد تام، وقاموا بالحفر من بعد حدود عرفة إلى وادي نعمان، فبحثوا وحفروا في أسفل الدبل نحو ستمائة ذراع، بنوا فيها عدة خرزات دفنوا بعضها، وأبقوا البعض الآخر لسقيا العربان.

كما شرعوا من مكة في تنظيف الدبول وتعمير ما تخرَّب منها حتى وصلوا إلى المفجر وأوصلوا الماء إلى منى "بالآلة النارية" من المفجر، ونحتوا لأجل ذلك بعض الجبال، وواصلوا العمل حتى وصلوا إلى عرفة، وبنوا في عملهم هذا عدة خرزات في طريق مكة، كما بنوا بازانات بمكة منها، بازان الشعب، وبازان سوق الليل، وبازان القشاشيه، وبازان أجياد، وبازانين بحارة المسفلة، وبازان بحارة الباب، وبازان الشبيكة، وبازان الشامية، وبازان سوق المعلاة الذي يسمى بازان التَّمارة.

وعمروا ما كان خرابًا، وزادوا عليه موارد الماء بالبلدة، وقطعوا الجبل الطويل الكائن بأول مكة، وهو الريع المعترض وسط الطريق المشهور بريع الرسام وبنوا به دبلا طويلا يجري فيه الماء إلى حارة جرول، وبنوا في حارة جرول بازانا عظيما يستقي منه الناس، وكذلك أجروا عملًا آخر من جهة العين الأصلية بمكة وهي عين الزعفرانة "والشحاخيد" المعينة لعين حنين ومكثت اللجنة التي كان رئيسها الحاج عبد الواحد الميمني تعمل بعزم وهمة نحو

<<  <  ج: ص:  >  >>