وفي عودته من المدينة توجه الحج الشامي عن طريق الشرقية حتى طلع على - مُكُرَهْ - وحصل له مشاق كثيرة من الحرِّ وموت الخلائق والبهائم، ثم نهب الحج الشامي باجمعه حتى أنهم أخذوا المحمل عن آخره، واجتمعت عليه العربان من كل محل ومكان (١).
[قبيلة حرب تقطع الطريق وتقاتل أمراء الحج]
نقل الغازي عن تاج تواريخ البشر القصة التي أوردها السيد جعفر البرزنجي عن قبيلة حرب ومشايخها الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج وينهبونهم ويقاتلون أمراء الحج نلخصها فيما يلي:
في حج سنة ١١٧٥ جمع شيخ مشايخ قبيلة حرب، عيد الظاهري الجموع الكثيرة من العربان حتى قيل أنه اجتمع معه نحو سبعين قبيلة من البادية كانوا يقطعون الطرق وينهبون الحجاج ويعيثون في الأرض فسادا وقد قام عيد الظاهري هذا بمتابعة الحج الشامي بمن معه من القبائل إلى أن وصلوا إلى تبوك فحصرهم فيها، وبقي الحجاج محاصرين بها مدة ستة عشر يوما وأرسل أمير الحاج الشامي يستنجد بأمير الشام ليرسل إليه فرقة من جنود الدولة العلية، ولكن والي الشام لم يسعف أمير الحج، ولم يستجب لطلب النجدة، وكانت الشام نفسها أحوالها غير مستقرة وعلم أمير الحاج الشامي أن طلبه لم يجب فقرَّر مغادرة تبوك بمن معه من الحجاج وغادرها في منتصف الليل وأحسَّت قبائل حرب بتحرك ركب الحاج الشامي فساروا خلفهم، فلما أحس أمير الحج أن الأعراب يحفُّون بالركب أمر بالتوقف لقتالهم ونشبت الحرب بين الطرفين، وقتل خلق كثير من الجانبين.
وحدث أن اعثرت فرس أمير الحاج فوقع إلى الأرض فظنَّ من حوله من الحجاج أنه قتل فشاع أمر مقتله بين الحجاج، فدب فيهم الجزع وانهزموا، وقتل غالبهم ونهب جميع متاعهم، وهتكت أستار المخدرات، وأسرت النساء والبنات أو تمزقوا كل ممزق.
يقول الراوي: وبلغ عيد الشقي العنيد ما أمَّله، واستحوذ هو وجنوده على جميع أموال الحجاج، وخيلهم ورجلهم، ورجع بالغنائم وتفرَّق من بقي من الحجاج في كل طريق.
أما أمير الحاج الشامي الذي ظن به القتل فقد لجأ إلى قرية قريبة واعتصم بها.
[السلطان العثماني يهتم بالأمر]
وصلت أخبار هذه المقتلة التي وقعت من قبائل حرب على الحجاج إلى الاستانة، وصادف هذا تولي السلطان مصطفى الثالث بعد وفاة والده السلطان أحمد الثاني في عام ١١٧١ فغضب السلطان واهتم بالأمر أعظم اهتمام، واستشار وزراءه فوقع الاختيار على الوزير عبد الله باشا الحسبه جي، نسبة إلى قرية من قرى ديار بكر، فأسند إليه السلطان ولاية الشام وإمارة