الحج، ووصل الوالي الجديد وباشر مهام ولايته، ولما وصل إلى المدينة المنورة في طريقه إلى مكة أرسل إليه عيد الظاهري شيخ قبيلة حرب ابن عمه برسالة يقول فيها:
أنه مقيم على الطاعة للدولة العثمانية ويطلب من الوالي صرف العوائد المقررة له ولقبيلته، ومقدار هذه العوائد ألف قرش باسمه وخمسة آلاف باسم قبائل حرب، وأجاب الوالي على رسالة عيد هذا بأنه مسرور لإقامته على هذه الطاعة ووعده بصرف العوائد المقررة بعد عودته من الحج كما جرت العادة بذلك.
ولكن عيدًا لم يقبل من الباشا هذا التسويف وترددت الرسل بينه وبين الوالي دون جدوى، وتحرك الوالي من المدينة المنورة يقصد مكة بمن معه من حجاج الشام ولكن عيدًا ومع من معه من الأعراب كمنوا لهم في وادي الصفراء، وأرسل إليهم عيدًا رسوله يقول:
لا نسمح بمروركم حتى تصرفوا العوائد، ولم يستجب الباشا لطلبه، فقام عيد ومن معه بإطلاق الرصاص على العساكر والحجاج، وكان أمير الحاج مستعدًا لملاقاته فنشبت العركة بين الطرفين، ولم تمض ساعة ونصف الساعة إلا وكان قد قتل من قبائل حرب سبعين قتيلًا بينهم شيخهم عيد.
وأسر منهم عددٌ آخر، وتفرق جمع الأعراب، وواصل الباشا سفره إلى مكة الكرمة فبلغها في أمان، ولقي الباشا في مكة أميرها سعيد بن سعد بن زيد الذي أشار على الباشا بأن يسلك في عودته إلى المدينة المنورة طريق الفرع.
ولم تستسلم قبائل حرب للهزيمة التي نزلت بها فولوا عليهم ابن شيخهم القتيل في العركة.
وجمعوا القبائل من كل حدب وصوب، وقطعوا الدروب على سالف عاداتهم ورصدوا عودة الحج الشامي، فطمَّوا الآبار التي في الطريق، وغوَّروا المياه واستطاع أمير الحج الشامي الوصول بالركب إلى المدينة المنورة من الطريق الذي سلكه بأمان.
وبعد أن بقي بها ثلاثة أيام خرج لملاقاة قبائل حرب بعساكره فسار إليهم حيث كانوا بالخيف ونشبت بينهم معركة عظيمة استمرت ثلاثة أيام.
واستعملت فيها المدافع وهزمت قبائل حرب هزيمة منكرة قتل فيها شيخهم ابن عيد وأربعة عشر من مشايخ القبائل المشاركة في القتال وعاد الباشا إلى الشام مكللًا بالنصر بعد أن عين شيخًا لقبائل حرب ممن يدينون بالطاعة والولاء للدولة العثمانية وكانت هذه الوقعة في عام ١١٧٦.
يقول الشيخ الغازي: وقد أفرد لها تاريخًا الفاضل السيد جعفر البرزنجي لخصت منه القصة سماه "البعث الفرجي".
ونقل الغازي ذلك عن تاج تاريخ البشر للحضراوي (١).
(١) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٦٤٢/ ٦٥٠.