للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي آية سبأ:

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

ويأتي الحديث القدسي فيزيد القضية بيانًا:

"يا عبادي أن منكم من أغنيته، ولو أفقرته لفسد حاله، وإن منكم من أفقرته ولو أغنيته لفسد حاله" (١).

أقول: وهكذا نرى أن بسط الرزق أو تقتيره على الناس هو لحكمة ارتضاها الخالق جل وعلا فهو أعلم بعباده، وأعلم بما يصلحهم وما يفسدهم.

ويقول في تفسير قوله تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٢).

يقول بعد استعراض أقوال المفسرين ومناقشتها ما يلي:

ونحن نلمس هذا السكن مع آثاره من المودة والرحمة بين الزوجين، فيما نراه من إيثار الرجل للمرأة على أهله من أبوين وأخوة، وإيثار المرأة للرجل على أهلها كذلك.

أن كلا منهما يحن إلى زوجه أكثر مما يحن إلى أبويه وإخوته.

ويعارض هذا "الواقع" الزوجي بين المرأة والرجل ما جاء في القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم من مطالبة الأبناء ببر الآباء ربما يؤكده بطريق غير مباشر لأنه يعني التحذير من طغيان العاطفة الزوجية على حق الآباء في برِّ الأبناء.

كذلك ما أسرع كلا من الزوجين إذا ظلم رفيقه أو أخطأ في حقه إلى الندم ثم المصالحة والرضا بكلمة أو همسة، ونسيان ما حدث من خطأ أو ظلم في لمح البصر.

ولا يكون ذلك على هذه الصورة السريعة بين الآباء والأمهات، ولا بين الأخوة، ولا بين البنات والأمهات (٣).

أقول: وكأنَّ الله تعالى قد أودع في نفوس الزوجين ما أودع من المحبة والإيثار، أراد أن ينبه الأولاد إلى حقوق الآباء والأمهات حتى لا تطغى العاطفة الزوجية على عاطفة البنوة، فشدَّد الحرص على البر بالآباء والأمهات.

وقال في تفسير قوله تعالى من سورة الرحمن: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.


(١) مأدبه الله في الأرض ٦٩/ ٧١.
(٢) سورة الروم آية ٢١.
(٣) مأدبة الله في الأرض ٨٤/ ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>