ومنها: وأود لو أني كتاجٍ زانه فيما يزينه (١)
وقلت: لحسين هل قدمت القصيدة لسمو الأمر فيصل … ؟
قال: لا
قلت: أسرع بتقديمها إليه فإنها قصيدة رائعة وستحلُّ من نفسه محلًا حسنا.
وذهب حسين سرحان وقدَّم القصيدة لسمو الأمير فيصل يرحمه الله وأبدى إعجابه بها وجاء حسين وقصَّ عليَّ القصة، واتفقنا أن نغتم هذه القصة لنتقدم بطلب الإذن لنا بإصدار مجلة أدبية.
وقلت: لحسن تقدم أنت بطلب الإذن فلعل صلتك بسمو الأمير فيصل تجعل له قبولًا.
وتقدم حسين سرحان بالطلب ولكن الإذن لم يصدر.
أذكر هذه القصة بعد أن مضى عليها أكثر من خمسة وخمسين عامًا، وأعود الآن إلى القصيدة لا نفسها التي نظمها حسين سرحان وهو في منتصف العشرينات، فأجد أن هذه القصيدة لا تصدر إلا عن شاعر أسلست له أعنة الشعر قيادها، فتدفقت فيها الصور الشعرية، رائعة وضاءة لتستولي على القارئ بموسيقيتها العذبة الرنين.
وإذا كانت هذه القصيدة التي نظمها في عنفوان شبابه بهذا المستوى من الإبداع والاجادة، فقد كانت مؤشرًا لما سيكون عليه حسين سرحان في دنيا الشعر في قابل الأيام.
ولقد لاحظت أن المبدعين في جميع الفنون تظهر آثار ابداعهم في سن مبكرة فكأن الموهبة تولد مع الإنسان ثم تصقلها الأيام.
وحسين سرحان شاعر يذكرك شعره بالصور الشعرية التي تحفل بها دواوين فحول الشعراء في العصرين الأموي والعباسي.
فقد أكبَّ على قراءة هذه الدواوين، فانطبعت صورها الشعرية الرائعة في ذهنه، وأثرت موسيقيتها في نفسه، ومكَّن لهذا الأمر حياته الشخصية التي تتصل بالصحراء وحياة البادية.
يقول في قصيدة النأي:
قضى الدهر ما بيني وبينك بالذي … قضاه فانآك افتراقُ وانآني
تُيَمِّمُ بي شارةٌ نحو مكة … وسِرْتَ على الخوص النواجي لنجران
فاشْمَلْتَ إذ أجْنَبْتُ يا بُعْدَ فرقد … تحدَّاك طولًا بيننا وتحدَّاني
(١) أجنحة بلا ريش ص ١٥/ ١٦.