للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن راجحا أخو الحسن لم يهدأ له بال، وأراد الثأر من أخيه الحسن الذي قتل أباه وعمه في سبيل الاستئثار بامارة مكة، فاتجه إلى اليمن، واتفق مع الملك المسعود الذي كان يتولى اليمن باسم أبيه الملك الأيوب، وزيَّن راجح للمسعود الاستيلاء على مكة وضمها إلى نفوذ الأيوبيين، وصل الملك المسعود ومعه راجح بن قتادة في ربيع الأول من سنة ٦١٩ أو ٦٢٥ هجربة وهاجم مكة هجوما مفاجئا، فاشتبك معه المدافعون عنها في المسعى، وقاوم الحسن وجنوده بعض المقاومة ولكنه رأى أن لا طاقة له بقتال الملك المسعود وجنده، فخرج من مكة وتركها للملك المسعود.

يقول الأستاذ/ أحمد السباعى:

ونهب عسكر المسعود بيوت مكة، وجردوا المدنيين من ثيابهم وأموالهم، ونبشوا قبر قتادة وأحرقوا تابوته، فلم يجدوا الجثة في القبر، فعلم الناس أن الحسن دفن أباه خفية في مكان سري.

يقول السباعي:

ورؤي الملك المسعود يصعد فوق قبة زمزم ويرمي حمام البيت بالبندق (١) كما رؤي غلمانه في السعى يضربون الناس بالسيوف في أرجلهم، ويقولون: خففوا من سعيكم فإن السلطان نائم سكران، وكان الدم يجري من سيقان الناس في الطريق بجوار دائرة السلطنة بالمسعى (٢).

أقول أننى أشم رائحة المبالغة في حديث المقريزي عن غلمان المسعود الذين يضربون الناس بالسيوف في أرجلهم ليخففوا من سعيهم لأن السلطان نائم وسكران، وهل يقول الغلمان عن سيدهم أنه سكران ليشوهوا اسمه وسمعته ويعطو الدليل على فسقه في الحرم .. ؟

يقول السباعي:

وأهلَّ موسم الحج في ذلك العام ٦١٩ أو ٦٢٠ فسار المسعود بجيشه إلى عرفات، ومنع أن تنصب راية العباسيين على الجبل، ونصب بدلا منها راية أبيه الملك الكامل، وكاد أن يشتبك معه أمير الحج العراقي لكنه شعر بقلة جنده، وقيل أنه أباح رفع الراية العباسية قبل غروب يوم عرفة بعد أن خوَّفه بعضهم من سطوة العباسيين.

ثم غادر المسعود مكة بعد فراغه من الحج، وعاد إلى اليمن بعد أن أبقى بها نائبه عمر بن علي بن رسول، وثلاثمائة من الجند لحراسته، وولي راجح بن قتادة بعض الأعمال المتصلة بالبادية، وقد حاول الحسن بن قتادة استرجاع مكة من الملك المسعود بعد عودة المسعود إلى اليمن فاستنفر القبائل في ينبع، وسار بهم فلقيه نائب المسعود ابن رسول في الحديبية وهزمه ففرّ إلى بغداد حيث مات بها.


(١) البندق كرات تضع من العلين والحجارة أو الرصاص أو غيرها كما ورد في التمدن الإسلامي ج ٥ ص ١٥٩.
(٢) الذهب المسبوك للمقرزي ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>