للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جدد عمارتها الشريف سرور، وجعل لها دورين وذلك سنة ١٢٥١ هـ كما هو مكتوب على باب خلوتها، وبقيت هذه المنارة على ذلك إلى أن تمت التوسعة السعودية الأولى للمسجد الحرام حيث يذكر الشيخ/ حسين باسلامة العمارة الأخيرة فيقول:

ولا تزال منارة باب العمرة على ذلك البناء ذات دورين إلى العصر الحاضر الذي ألف كتابه فيه عام ١٣٥٤ للهجرة (١).

أقول: كان الأذان يتم في المسجد الحرام بارتقاء المؤذنين للمنائر العالية وكانوا يختارون من أصحاب الأصوات الجميلة والقوية، ليتم إيذان الناس بأوقات الصلوات في بيوتهم ومتاجرهم، وكان رئيس المؤذنين في زمن الفاكهي في القرن الثالث الهجري يبدأ الأذان من هذه المنارة فيردد بعده المؤذنون الأذان في المنائر الأخرى التي كانت في المسجد الحرام، والتي سنتحدث عنها بعد.

ثم تحول رئيس المؤذنين في زمن الفاسي في القرن الثامن الهجري إلى منارة باب السلام ويتبعه سائر المؤذنين من المنائر الأخرى، وفي القرن العاشر في زمن صاحب الأعلام صار رئيس المؤذنين يشرع الأذان من قبة زمزم ويتبعه سائر المؤذنين من المنائر الأخرى، وقد تم تجهيز المسجد الحرام بمكبرات الصوت - الميكروفون - بعد الحرب العالمية الثانية في عهد الشيخ/ عبد الرؤوف الصبان يرحمه الله، وركبت الأجهزة في المنائر وصار المؤذنون يؤذنون في موضعهم في البناء المخصص لهم الذي كان فوق قبة زمزم، والذي هو في الوقت الحاضر فوق موضع الإمام في مواجهة الركن اليماني من الكعبة المشرفة.

وينتقل صوت المؤذنين عبر مكبرات الصوت فيصل إلى رحاب مكة شرفها الله (٢).

وقد جاء ذكر التسحير والتوديع والتذكير في رواية الفاكهي عن المؤذنين فقد كان المؤذنون في الحجاز يعتلون المآذن وتنطلق أصواتهم بأدعية يصحو عليها النائمون في رمضان لتناول السحور، ويتم ذلك قبل ساعتين من الفجر، أما التذكير فكان يتم في الربع الأخير من الليل قبل الفجر ليوقظوا الناس للذكر، وأما التوديع فلعله كان توديعا لشهر رمضان في الأيام الأخيرة منه، وقد أدركت التذكير والتسحير وأنا طفل صغير، ومما ذكره الفاكهي يظهر لنا أن هذه العادة كانت قديمة في الحجاز تعود إلى القرن الثالث الهجري.

وقد ذكر ابن إياس في بدائع الزهور أن الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر هو أول من اتخذ التذكير يوم الجمعة على المآذن لتستعد الناس للصلاة وذلك في سنة سبعمائة للهجرة (٣).

أقول: ذكر ابن إياس ذلك في تاريخه لحكم السلطان في مصر، ولا أعرف إذا كانت هذه العادة - عادة التذكير يوم الجمعة - قد انتقلت إلى الحجاز، ولكن الذي هو حادث الآن في


(١) تاريخ عمارة المسجد الحرام ٢٤٢/ ٢٤٣.
(٢) انظر قصة إدخال الميكروفونات إلى المسجد الحرام مفصلة في أعلام الحجاز الجزء الأول ص ١٠٨ - ١٠٩.
(٣) بدائع الزهور ج ١ ص ٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>