للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعجبت من معرفة الشيخ صالح قزاز بأمر المكائن الثلاثين وهي ما زالت في الجمارك، ثم علمت أنه علم من إدارة الجمارك بوصولها، وتكررت المسألة، فلا تصل شحنة من هذه المكائن الزراعية إلا والمزارعون حاضرون لاستلامها، وهكذا كان الشيخ صالح قزاز يرحمه الله مثابرًا ودقيقًا في عمله، وبفضل هذه المثابرة وهذا الإخلاص انتشرت المكائن الزراعية في جميع قرى الطائف ووديانه، واستفاد المزارعون منها فائدة عظيمة في تطوير الزراعة واستبدال الحيوان بالآلة في زمن وجيز.

ولا شك أن ما تم في الطائف تم في نفس الوقت في أماكن أخرى من المملكة وتعددت الآلات الزراعية وأصنافها حسب طبيعة المناطق الزراعية ومتطلباتها.

هذه تجربة عملية أتيح لي أن أتعرف منها على إخلاص الرجل في عمله ومتابعته له. وحينما اطلعت على أول تقرير للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي وجدت فيه مرتب الأمين العام وكان معالي الشيخ محمد سرور الصبان يرحمه الله، ومرتب الأمين العام المساعد وهو الشيخ صالح قزاز قد حسم من بند المصروفات لأن الرجلين كانا يعملان بدون مرتب ابتغاء مرضاة الله تعالى، ولم أستغرب أن يحدث هذا من الأمين العام فقد كان في بحبوحة من العيش بما أفاء الله عليه، ولكني أكبرت في الشيخ صالح قزاز يرحمه الله خدمته للرابطة بدون مقابل بل تحمله النفقات في سبيل أداء الواجب كما فصل ذلك الشيخ محمد صفوت السقا في الكلمة التي نقلناها قبل، ولم أفاجأ بإصرار الأعضاء المؤسسين في الرابطة بعد ذلك على اختيار الشيخ صالح قزاز أمينًا للرابطة بعد وفاة أمينها العام الشيخ محمد سرور الصبان، ثم محاولتهم التأثير عليه ليبقى في الأمانة بعد أن علت به السن، ولم يعد قادرًا على القيام بأعباء العمل العظيم.

وقد تبين أن رغبة الشيخ صالح قزاز في العمل بدون مرتب كانت رغبة قديمة نفذها منذ أسند إليه الإشراف على عمارة المسجد النبوي الشريف السعودية الأولى عام ١٣٦٨ للهجرة، وقبل اختياره أمينًا عامًا مساعدًا لرابطة العالم الإسلامي بربع قرن، وقد كشف لنا أمر هذه الحسنة الأستاذ حسن قزاز جزاه الله خير الجزاء في الكلمة التي نقلناها عنه قبل، وقد تجنب الشيخ صالح قزاز الإشارة إليها أو إظهارها للناس رغبة فيما عند الله، ولكن العمل الطيب كالعطر الزكي الرائحة ينم عن نفسه، وقد شاء الله تعالى أن يظهر هذا العمل الطيب للناس بعد وفاة صاحبه ليذكر له بالخير وليترحم عليه كل من اطلع عليه.

اعتكف الشيخ صالح قزاز في داره بعد استقالته من الرابطة، وانقطع برغبته عن الناس ولكنه لم ينقطع عن متابعته لأعمال جماعة تحفيظ القرآن الكريم التي احتضنها منذ عام ١٣٨٢، والتي أراد الله تعالى لها النمو والانتشار، وتخرج منها الأئمة والمدرسون والحفاظ ولا تزال تعمل وتنمو كما بيَّن ذلك الدكتور باجوده في كلمته التي نقلناها قبل، وأراد الله تعالى أن يتم فضله على الشيخ صالح قزاز فأوقف عمارته الكبيرة بالشامية على جماعة تحفيظ القرآن الكريم في حياته، وأصبح ريع هذه العمارة ملكًا للجماعة يصرف عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>