وردنا على ذلك هو أن ذكر الحوادث والحروب التي وقعت بمكة المكرمة لا تقتضى من المؤلف أن ينال القائمين بها بالغيبة والتعريض، والمؤرخ أمام الحوادث التي ينقلها ويسجلها إزاء طريقين أن يذكر الحوادث منسوبة إلى مصادرها ويكتفى بذلك، أو يذكر الحوادث ويعلق عليها أو ينقل تعليقات من سبقه من المؤرخين عليها فإذا كان في هذه الحوادث ما يسبب الحرج للمؤلف كأن يكون اختلاف الرأى فيها وفى أسبابها كبيرا، ولم يفتح الله عليه بشيء يجعله يرجح الرأى الصائب أو الأكثر صوابا ففى وسعه الاكتفاء بذكر الحوادث والإمساك عن التعليق عليها، تاركا للقارئ اتخاذ الحكم الذى تهديه إليه قراءته للحوادث وأسبابها، وإن كان المؤلف ممن أوتي الشجاعة لإبداء الراي الصائب فله أن يسجله ويتحمل تبعاته.
أما تجنب ذكر الحوادث تفاديا لهذا الحرج أو للسبب الذى ذكره مؤلف كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم فهو كما ذكرت من الأسباب التي تخرج الكتاب عن الصفة التي أراد المؤلف أن تكون لكتابه.
إن الحوادث السياسية والحروب هي مادة التاريخ إذا صح هذا التعبير، فالحروب هي التي غيرت وتغير وجه العالم وكلما كانت الحروب كبيرة وواسعة كلما كان التغيير أشمل وأعم.
ترى لو لم تخرج الجيوش الإسلامية من الجزيرة العربية في صدر الإسلام فتديل من عرش الأكاسرة في فارس والعراق، وتديل دولة الروم في الشام وفى مصر ماذا كان حال هذه البلاد، وهل أصبحت العراق والشام ومصر والأردن وفلسطين ولبنان بلادا عربية إسلامية؟.
ولا نريد الإكثار من سرد الأمثلة ولكني اكتفى بأن أقول أن الحرب العالمية الأولى جلبت الاستعمار للبلاد العربية كلها والحرب العالمية الثانية أخرجت الاستعمار من البلاد العربية كلها، ومن كثير من البلدان في آسيا وافريقيا، فالحروب ليست شرا مطلقا وإنما قد ينتج منها الخير الكثير.