للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرم، وحين اجتمعوا حواليه بالمصلَّى، وانضم الناس إليهم ارتاع الباشا المذكور، وقال لهم: والله لا أحدث شيئا، ولا لكم إلا ما يسركم لكونكم من أهل الله وجيران بيته، ثم لما قدم مكة المشرفة توجه إلى الآستانة مستعفيًا من الولاية كما تقدم .. انتهى ما ذكره الحضراوي.

ونستطيع أن نستخلص من هذه الحادثة أن الدولة العثمانية كتبت إلى والي الحجاز بإجراء بعض الأمور التي اعترض عليها الناس لما علموا بخبرها فطلبوا من الوالي إقامة صلاة الاستسقاء، فلما اجتمعوا للاستغاثة وأقاموا الصلاة، التفوا حول الوالي وكان الزمان صيفا وجُلُّ أعيان مكة يصيفون بالطائف، أقول التفوا حول الوالي وقالوا له: إن الحجاز باعتباره بلد الله يجب أن يكون معفًى من الإِجراءات التي تطبقها الدولة في البلدان الأخرى مثل مصر والشام وغيرها، فلم يكن من الوالي بعد أن رأى التفاف الناس حوله وفيهم الأعيان والعوام إلا أن وعدهم بأن لا يجري شيئًا مما أُمر به ثم توجّه إلى الآستانة فاستعفى من ولاية الحجاز.

والواقع أن نظرة الدولة العثمانية إلى الحجاز، ونظرة أهل الحجاز إلى أنفسهم في ذلك الزمان كانت تتلخص في أن الحجاز بلد فقير، فيه بيت الله الحرام، ومسجد نبيه الكريم، وأنه يعيش على ما ترسله الدولة من المعونات لأهله وما يرد من الحجاج الوافدين إليه، وأن أهله بصفتهم من جيران البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف يجب أن يكونوا معفيين من الأنظمة والإجراءات التي تطبق في الولايات الأخرى، وقد شمل هذا الاستثناء نظم التعليم والجندية وغيرهما. ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات الأخرى في مصر والشام والعراق تتمتع بنظام تعليمي متقدم وكذلك بتظام تعليمي عسكري فإن الحجاز كان مُعْفى من هذه الأنظمة

<<  <  ج: ص:  >  >>