وكان قد أرسله الشريف مسعود بن سعيد ملك مكة المشرفة، فوعد البيتي بإرسال هدية إليه ثم مطل، وأخذ يجدد الوعد مع كل آت إلى ينبع، فكتب إليه البيتي كتابًا طويلًا خلط فيه الشعر بالنثر كعادته في رسائله، نقتطف منه ما يلي:
أهدي مزيد سلامٍ ألذُّ من الوصال، في طيف الخيال، وأحلى من الإقبال بالآمال، وأحبُّ من الإِتحاف بالإِسعاف، وأعذب من الورود، على حياض الوعود، وأعشقُ إلى الطالب من حصول المطالب، وأكرم من الغمام بإهداء السلام، أريجًا يَكُمُّه الزهر في أكمامه، ويلمُّه الجيد في نظامه، ويجعله الرحيق من ختامه، ويسهب البيتي كعادته في وصف السيوري هذا فيسبغ عليه من الأوصاف الكثيرة ما تعودناه في رسائله وشعره إلى أن يقول:
وبعد فالشوق إنْ تسألْ فإنَّ له … شواهدًا وسؤالي عنك أصدقها
وإنَّ في البعد ما ينسى الأخُوَّة … والتسآلُ عنك بلا شك يحققها
فكيف أنت وكيف الحال، دمت على … ما كنت أعهد من نعمًا وتُرْزَقُها
سوى المودة فيما بيننا فلقد … رأيت منك يدُ السلوى تمزِّقُها
وذاك مع طول عهد بالإخاء مضى … عمر الصداقة حتى شاب مفرقها
ثم يقول البيتي وهنا تبدأ السخرية العجيبة:
جاء في بشير المواعيد، على بريد، فملت إلى النفس أبشرها، وعلى الفرش أنشرها، وإلى الزلاع أنظفها، وعلى القفاع أصفِّفها، واشتغلت باللحية أسرِّحُها، وأهل الحارة أفرِّحها، ثم ذكرت وصول الحبوب في الغبش، فعبيت الخِيَشْ، وقلت ربما يصل التمر في العصر، فأخليت