للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فدَكٌ، فكانَ يُنفِقُ مِنها ويَعودُ مِنها على صَغيرِ بَنِى هاشِمٍ ويُزَوِّجُ فيه أيِّمَهُم، وإِنَّ فاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سألَته أن يَجعَلَها لَها فأبَى، فكانَت كَذَلِكَ في حَياةِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَضَى لِسَبيلِه، فلَمَّا وَلِى أبو بكرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمِلَ فيها بما عَمِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حَياتِه حَتَّى مَضَى لِسَبيلِه، فلَمَّا أن وَلِى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمِلَ فيها بمِثلِ ما عَمِلا حَتَّى مَضَى لِسَبيلِه، ثُمَّ أُقطِعَها مَروانُ، ثُمَّ صارَت لِعُمَرَ بنِ عبدِ العَزيزِ، قال عُمَرُ بنُ عبدِ العَزيزِ: فرأيتُ أمرًا مَنَعَه رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطِمَةَ لَيسَ لِى بحَقٍّ، وإِنِّى أُشهِدُكُم أنِّى قَد رَدَدتُها على ما كانَت، يَعنِى على عَهدِ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١).

قال الشيخُ: إنَّما أُقَطِعَ مَرْوانُ فدَكًا في أيَّامِ عثمانَ بنِ عَفّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكَذَلِكَ تأوَّلَ في ذَلِكَ ما رُوِى عن النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أطعَمَ اللّهُ نَبيًّا طُعمَةً فهِى لِلّذِى يَقومُ مِن بَعدِه". وكانَ مُستَغنيًا عَنها بمالِه فجَعَلَها لأقرِبائه ووَصَلَ بها رَحِمَهُم، وكَذَلِكَ تأويلُه عِندَ كَثيرٍ مِن أهلِ العِلمِ، وذَهَبَ آخَرونَ إلَى أن المُرادَ بذَلِكَ التَوليَةُ وقَطعُ جَرَيانِ الإرْثِ فيه ثُمَّ تُصرَفُ في مَصالِحِ المُسلِمينَ كما كان أبو بكرٍ وعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَفعَلانِ، وكما رآه عُمَرُ بنُ عبدِ العَزيزِ حينَ رَدَّ الأمرَ في فدَكٍ إلَى ما كان. واحتَجَّ مَن ذَهَبَ إلَى هذا بما رُوِّينا في حَديثِ الزُّهرِيِّ: وأمَّا خَيبَرُ وفَدَكٌ فأمسَكَهما (٢) عُمَرُ بنُ الخطابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالَ: هُما صَدَقَةُ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَت لِحُقوقِه التى تَعْرُوه ونَوائبِه، وأمرُهُما إلَى ولِيِّ الأمرِ، فهُما على ذَلِكَ إلَى الآنَ.


(١) أبو داود (٢٩٧٢). وضعفه الألباني في ضعيف أبى داود (٦٣٧).
(٢) في ص ٦، ز: "فأمسكها".