للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمه؟ قال: {ليقضي اللَّهُ أَمْرًا كان مَفْعُولًا} (١)، فيخبرهم أنه قد فرغ وقضى، وأنه لا يريد أن يكون الأمر إلا هكذا، ويحسب القدري إنما ذلك من الله احتيال واحتفال وإعداد للقتال، وينسى أنه الغالب على أمره بغير مغالبة والقاهر لعدوه، إذا شاء بغير مكاثرة أهلك عادا بالريح العقيم، وأخمد ثمودا بالصيحة، وخسف بقارون وبداره الأرض، وأرسل على قوم لوط حجارة من السماء ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء قعصا لا مكر فيه ولا استدراج، ويستدرج ويمكر بمن لا يعجزه، ويأتي من حيث لا يحتسب من لا يمتنع منه مواجهة ومن ليست له على النجاة منه قدرة، وكلا الأمرين في قدره وقضائه سواء؛ فهو ينفذهما في خلقه على من يشاء، لم يهلك هؤلاء قعصا ولا قهرا؛ اغتناما لغرتهم، ولم يستدرج هؤلاء ويمكر بهم؛ شفقة أن يعجزوا مما أراد بهم لقدره وقضائه مخرجان، أحدهما ظاهر قاهر والآخر قوي خفي، لا يمتنع منه شيء ولا يوجد له مس، ولا يسمع له حس، ولا يرى له عين ولا أثر حتى يبرم أمره، فيظهر يباعد به القريب ويصرف به القلوب ويقرب به البعيد ويذل به كل جبار عنيد حتى يفعل ما يريد به، حفظ موسى عليه السلام في التابوت واليم منفوسا ونزه يقربه من عدوه إليه للذي سبب أمره عليه وقد قدر وقضى أن نجاته فيه.

قال لأمه: {فإذا خفت عليه} (٢) أن يأخذه فرعون {فاقذفيه في اليم


(١) الأنفال الآيتان (٤٤).
(٢) القصص الآية (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>