للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليلقه اليم بِالسَّاحِلِ} (١) يأخذه فرعون هنالك لا يريد أن يأخذه إلا كذلك، فاختلجه من كنه ومن ثدي أمه إلى هول البحر وأمواجه، وأدخل قلب أمه اليقين أنه راده إليها وجاعله من المرسلين؛ فأمنت عليه الغرق، فألقته في اليم ولم تفرق، وأمر اليم يلقيه بالساحل؛ فسمع وأطاع، وحفظه ما استطاع حتى أداه إلى فرعون بأمره، وقد قدر وقضى على قلب فرعون وبصره حفظه وحسن ولايته بما قضى من ذلك فألقى عليه محبة منه ليصنعه على عينه، قد أمن عليه سطوته ورضي له تربيته، لم يكن ذلك منه على التغرير والشفقة، ولكن على اليقين والثقة بالغلبة، يصطفي له الأطعمة والأشربة والخدم والحضان، يلتمس له المراضع شفقا أن يميته، وهو يقتل أبناء بني إسرائيل عن يمين وشمال، يخشى أن يفوته وهو في يديه وبين حجره ونحره، يتبناه ويترشفه، يراه ولا يراه وقد أغفل قلبه عنه وزينه في عينه وحببه إلى نفسه؛ لمه؟ قال: {ليكون لهم عدوًا وحزنًا} (٢)، فمنه يفرق على وده لو عليه يقدر وهو في يديه وهو لا يشعر حتى رده بقدرته إلى أمه، وجعله بها من المرسلين، وفرعون خلال ذلك يزعم أنه رب العالمين وهو يجري في كيد الله المتين حتى أتاه من ربه اليقين مذعنا مستوسقا في كل مقال وقتال يرفعه طبقا عن طبق حتى إذا أدركه الغرق؛ قال: {آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلًّا الذي


(١) طه الآية (٣٩).
(٢) القصص الآية (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>