للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يملكوها فعل الخير والشر، فعظموا الله بقدره، ولم يعذروا أنفسهم به، وحمدوا الله على منه، ولم ينحلوه أنفسهم دونه، وقال الله تعالى: {وذلك جزاء الْمُحْسِنِينَ} (١)، وقال: {بِمَا كَانُوا يفسقون} (٢)؛ فكما كان الخير منه، وقد نحلهم عمله؛ فكذلك كان الشر منه، وقد مضى به قدره.

وإن الذين أمرتك باتباعهم في القدر لأهل التنزيل، الذين تلوه حق تلاوته، فعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وكانوا بذلك من العلم في الراسخين، ثم ورثوا علم ما علموا من القدر وغيره من بعدهم، فما أعلم أمرا شك فيه أحد من العالمين، -لا يكون أعظم الدين- أعلى ولا أفشى ولا أكثر ولا أظهر من الإقرار بالقدر؛ لقد آمن به الأعرابي الجافي، والقروي القاري، والنساء في ستورهن، والغلمان في حداثتهم، ومن بين ذلك من قوي المسلمين وضعيفهم، فما سمعه سامع قط فأنكره، ولا عرض لمتكلم قط إلا ذكره، لقد بسط الله عليه المعرفة، وجمع عليه الكلمة، وجعل على كلام من جحده النكرة؛ فما من جحده ولا أنكره فيمن آمن به وعرفه من الناس إلا كأكلة رأس. فالله الله، فلو كان القدر ضلالة؛ ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت بدعة؛ فعلم المسلمون متى كانت؛ فقد علم المسلمون متى أحدثت المحدثات والبدع والمضلات. وإن أصل القدر لثابت في كتاب الله تعالى،


(١) المائدة الآية (٨٥).
(٢) البقرة الآية (٥٩) والأعراف الآيتان (١٦٣و١٦٥) والعنكبوت الآية (٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>