للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعزي به المسلمين في مصائبهم بما سبق منها في الكتاب عليهم، يريد بذلك تسليتهم، ويثبت به على الغيب يقينهم، فسلموا لأمره، وآمنوا بقدره، وقد علموا أنهم مبتلون، وأنهم مملوكون غير مملكين ولا موكلين، قلوبهم بيد ربهم، لا يأخذون إلا ما أعطى، ولا يدفعون عن أنفسهم ما قضى، قد علموا أنهم إن وكلهم إلى أنفسهم؛ ضاعوا، وإن عصمهم من شرها؛ أطاعوا، هم بذلك من نعمته عارفون، كما قال نبيه وعبده الصديق: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (١)، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢)،فتبرأ إلى ربه من الحول والقوة، وباء مع ذلك على نفسه بالخطيئة، فكانت لهم فيه أسوة، وكانوا له شيعة، لم يجعل الله تعالى القدر والبلاء مختلفا في صدورهم، ومنع الشيطان أن يدخل الوسوسة عليهم، فلم يقولوا: كيف يستقيم هذا؟ قد علموا أن الله هو ابتلاهم، وأن قدره نافذ فيهم، ليس هذا عندهم بأشد من هذا، ولا يوهن هذا عندهم هذا، يحتالون لأنفسهم كحيلة من زعم أن الأمر بيده، ويؤمنون بالقدر إيمان من علم أنه مغلوب على أمره؛ فلم يبطيهم الإيمان بالقدر عن عبادته، ولم يلقوا بأيديهم إلى التهلكة من أجله، ولم يخرجهم الله عز وجل بالبلاء من ملكه؛ فهم يطلبون ويهربون، وهم على ذلك بالقدر يوقنون، لا يأخذون إلا ما أعطاهم، ولا ينكرون أنه


(١) يوسف الآية (٣٣).
(٢) يوسف الآية (٥٣) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>