قال بشر. وإنما دخل عليه الجهل لقلة معرفته بلغة أهل اللسان، فلو أن رجلا قال: اللهم اجعل لي ولدا، لكان يعقل من بحضرته أنه سأل ربه أن يخلق له ولدا، إذ لم يصل الكلمة بكلمة ثانية، ولو قال: اللهم اجعل ولدي، كان هذا الكلام لا يتم بهذا الإخبار عنه، حتى يقول: اجعله صالحا، اجعله بارا، اجعله تقيا، فيعقل عنه أنه إنما أراد أن يصيره بارا، ولم يرد أن يخلقه، لأن الله قد خلقه. ألم تسمع إلى قول الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} (١)، ولم يرفعا القواعد إلا وهما مخلوقان، وحين قالا:{وَاجْعَلْنَا}، لم يدركا المسألة حتى قال:{مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فهذا وما كان على أمثاله في القرآن على غير معنى الخلق. ثم أقبل المأمون على بشر، فقال: كلم عبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين لم أكلمه؟ هذا رجل يقول بالأخبار وأنا أقول بالقياس.
فقال له المأمون: وهل ديننا إلا الأخبار؟ قال: فأردت أن أعلمه أن الكلام في القياس لم يفتني في الموضع الذي يجب لي القول به، وكان جلس أمير المؤمنين مجلس الحاكم من الخصم، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو كان لبشر غلامان، وأنا لا آخذ علمهما عن أحد من الناس إلا عنه، يقال لأحدهما خالد والآخر يزيد، فكتب إلي ثمانية عشر كتابا يقول في كل كتاب منها: