وبليغ حكمته. وكذلك قال عز وجل: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣)} (١) لأنه كما أن عين المصنوع أوجب صانعاً، كذلك ما ظهر في آثار الحكمة والقدرة في الصنعة أوجب حكيماً قادراً. وفي دفع آلات الصنعة من العلم والقدرة عليها حتى لا يكون الصانع موصوفا بها، جحد للصانع وإبطال له. وإنما أنكر الجهمي صفات الباري تعالى أراد بذلك إبطاله، ألا ترى أن أصغر خلقه إن أبطلت صنعته بطل؟ فكيف العظيم الذي ليس كمثله شيء؟ ألا ترى أن النخلة لها جذع، وكرب، وليف، وجمار، ولب، وخوص، وهي تسمى نخلة، فإذا قال القائل: نخلة، علم السامع أن النخلة لا تكون إلا بهذا الاسم نخلة، فلو قال: نخلة وجذعها وكربها وليفها وجمارها ولبها وخوصها وتمرها كان محالاً، لأنه يقال: فالنخلة ما هي إذا جعلت هذه الصفات غيرها؟ أرأيت لو قال قائل: إن لي نخلة كريمة، آكل من تمرها، غير أنه ليس لها جذع ولا كرب ولا ليف ولا خوص ولا لب وليس هي خفيفة، وليس هي ثقيلة، أيكون هذا صحيحاً في الكلام؟ أو ليس إنما جوابه أن يقال: إنك لما قلت: نخلة عرفناها بصفاتها، ثم نعت نعتاً نفيت به النخلة. فأنت ممن لا يثبت ما سمى إن كان صادقاً، فلا نخلة لك. فإذا كانت النخلة -في بعد قدرها من العظيم الجليل- تبطل إذا نفيت صفاتها، فليس إنما أراد الجهمي إبطال الربوبية وجحودها.
فقد تبين في المخلوق أن اسمه جامع لصفاته، وأن صفاته لا تباينه، وإنما أراد الجهمي يقول