للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل شيء» (١) فقالت الجهمية: إن القرآن هو الذكر، والله خلق الذكر، فأما ما احتجوا به من هذا الحديث، فإن أهل العلم وحفاظ الحديث ذكروا أن هذا الحديث وهم فيه محمد بن عبيد وخالف فيه أصحاب الأعمش وكل من رواه عنه. وبذلك احتج أحمد بن حنبل رحمه الله، فقال: رواه بعده جملة من الثقات، فلم يقولوا: خلق الذكر، ولكن قالوا: كتب في الذكر، والذكر هاهنا غير القرآن، ولكن قلوب الجهمية في أكنة، وعلى أبصارهم غشاوة، فلا يعرفون من الكتاب إلا ما تشابه، ولا يقبلون من الحديث إلا ما ضعف وأشكل. والذكر هاهنا هو اللوح المحفوظ، الذي فيه ذكر كل شيء، ألا ترى أن في لفظ الحديث الذي احتجوا به، قال: فكتب فيه كل شيء أفتراه كتب في كلامه كل شيء، وقد بين الله ذلك في كتابه، وذلك أن الذكر في كتاب الله على لفظ واحد بمعان مختلفة، فقال: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (١)} (٢) يعني: ذا الشرف. وقال: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} (٣) يعني: شرفكم. وقال: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} (٤) يعني: بخبرهم. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ


(١) أخرجه: أحمد (٤/ ٤٣١) والبخاري (٦/ ٣٥١ - ٣٥٢/ ٣١٩١) والترمذي (٥/ ٦٨٨ - ٦٨٩/ ٣٩٥١) دون محل الشاهد، والنسائي في الكبرى (٦/ ٣٦٣/١١٢٤٠) من حديث عمران بن حصين بلفظ: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء». وهو حديث طويل وليس فيه «ثم خلق الذكر».
(٢) ص الآية (١).
(٣) الأنبياء الآية (١٠).
(٤) المؤمنون الآية (٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>