للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} (١)

والسماوات مخلوقة، والله عز وجل غير مخلوق، والله تعالى فيها، فقد بين أن مخلوقاً فيه غير مخلوق، ومن أصل الجهمية ومذاهبها أن الله تعالى يحل في الأشياء كلها وفي الأمكنة، والأمكنة مخلوقة. فلما علم أن الله تعالى هو الخالق لا مخلوق، وكذلك كل ما كان منه لا يكون مخلوقاً، قال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (٢) فسرها ابن عباس: علمه، فأخبر أن علمه وسع السماوات والأرض، وهل يكون العلم مخلوقاً؟ وإنما يكون مخلوقاً ما لم يكن ثم كان، وربنا لم يزل عالماً متكلماً. ومما غالط به الجهمي من لا يعلم: الحديث الذي روي عن ابن مسعود: «ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا شيء أعظم من آية الكرسي» (٣) فتأولوا هذا الحديث على من لا يعلم، وأخطؤوا وغالطوا بالمتشابه من ألفاظ الحديث كما غالطوا بالمتشابه من القرآن، فإذا تفهمه العاقل، وجده واضحاً بيّناً، فلو كانت آية الكرسي مخلوقة كخلق السماء والأرض والجنة والنار وسائر الأشياء إذا لكانت السماء أعظم منها، ولكانت الجنة أعظم منها، ولكان النار أعظم منها، لقلة حروفها وخفتها على اللسان، وإن السماء والأرض والجنة والنار أطول وأعرض وأوسع وأثقل وأعظم في المنظر، ولا بلغ ذلك كله مبلغ حرف واحد من كلام الله، وإنما أراد عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه ليس في خلق الله كله ما يبلغ عِظم كلام الله وإن خف، ولا يكون شيء


(١) الأنعام الآية (٣) ..
(٢) البقرة الآية (٢٥٥).
(٣) تقدم تخريجه. انظر مواقف أحمد بن حنبل سنة (٢٤١هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>