للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم من كلام الله، ولن يعظم ذلك الشيء في أعين العباد. ألا ترى أنك تقول: ما خلق الله بالبصرة رجلاً أفضل من سفيان الثوري؟ وسفيان ليس من أهل البصرة، وإنما أردت: ليس بالبصرة مع عظمها وكثرة أهلها مثله ولا من يدانيه في فضله.

وكقولك: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر» (١) فلم ترد أنه أصدق من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أصدق من أبي بكر وعمر ومن هو أفضل منه، ولكنه لم يتقدمه أحد في الصدق، وإن فضلوه في غيره. ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (٢) فسمى الله نفسه في الأشياء، وليس هو من الأشياء المخلوقة، تعالى الله علواً كبيراً. فكذلك قول عبد الله: "ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا شيء أعظم من آية الكرسي" لأن آية الكرسي من كلام الله، وهي آية من كتابه، فليس شيء من عظيم ما خلق يعدل بآية ولا بحرف من كلامه. ألا ترى أن الله قد عظم خلق السماوات والأرض، وجعل ذلك أكبر من غيره من المخلوقات، فقال: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (٣)؟ ثم آية الكرسي مع خفتها وقلة حروفها أعظم من ذلك كله، لأنها من كلام الله، وبكلام الله وأمره


(١) يشير إلى حديث رواه أحمد (٢/ ١٦٣) والترمذي (٥/ ٦٢٨/٣٨٠١) وحسنه، وابن ماجه (١/ ٥٥/١٥٦) والحاكم (٣/ ٣٤) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. من حديث ابن عمرو.
(٢) الأنعام الآية (١٩).
(٣) غافر الآية (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>