للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمر الذي كان يجرُّه (١). ومعلوم أن عمل عمر في إيمانه أفضل من عمل من بلغ قميصه ثدييه.

فإيمانه أفضل من إيمانه بما زاد عليه من العمل. وتأويله عليه السلام ذلك بالدين يدل أن الإيمان الواقع على العمل يُسمى ديناً، كالإيمان الواقع على القول.

وهذا يرد قول أهل البدع الذين يزعمون أن إيمان المذنبين كإيمان جبريل، وأنه لا تفاضل في الإيمان، وقولهم غلط لا يخفى؛ لأن الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وسائر الخلق يملُّون ويفترون.

فكيف يبلغ أحد منهم منزلتهم في العمل. وفي كتاب الله حجة لتفاضل المؤمنين في الإيمان؛ وذلك أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى، فطلب المعاينة التي هي أعلى منازل العلم التي تسكن النفوس إليها، وتقع الطمأنينة بها، ولا يجوز أن نظن بإبراهيم خليل الله ونبيه أنه حين سأل المعاينة لم يكن مؤمناً، أو أنه اعترضه شك في إيمانه.

والدليل على صحة هذا قوله لربه حين قال له: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (٢)، فأوجب لنفسه الإيمان قبل أن يعاين ما طلب معاينته، وعَذَرَه الله تعالى في طلب ذلك؛ لأن المعاينة أشفى ويهجم على النفوس منها ما لا يهجم من الخبر.

ألا ترى أن موسى حين كلمه ربه لم يشك أن الله هو المتكلم له،


(١) أخرجه: أحمد (٣/ ٨٦) والبخاري (١/ ١٠٠/٢٣) ومسلم (٤/ ١٨٥٩/٢٣٩٠) والترمذي (٤/ ٤٦٧ - ٤٦٨/ ٢٢٦٨) والنسائي (٨/ ٤٦٧/٥٠٢٦) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) البقرة الآية (٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>