للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من تعلّق بفعل أهل القيروان؛ فهذا غبي يستدعي الأدب دون المراجعة!

فنقول لهؤلاء الأغبياء: إن مالك بن أنس رأى إجماع أهل المدينة حجة، فردّه عليه سائر فقهاء الأمصار، هذا وهو بلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرصة الوحي، ودار النبوة، ومعدن العلم، فكيف بالقيروان؟!

وأيضاً؛ فإنما كان يكون فيه مُتَعلَّق لو نقلتُمْ عن علماء القيروان أنهم أفتوا بهذا؛ لأن الاقتداء إنما يكون بالعلماء لا بالعوامّ، وهذا ما لا ينقلونه أبداً، وإنما كان يفعله العوامّ والغوغاء، فإنكارنا عليهم كإنكارنا عليكم.

والدليل على هذا أن الفتيا بالقيروان إنما كانت على مذهب أهل المدينة، وقد كان القوم من أشدّ الناس تمسّكاً بمذهب مالك، فكان علماؤنا إنما يقومون في رمضان في بيوتهم؛ لقول مالك: (قيام الرجل في بيته لمن قوي عليه أحبّ إليّ)، وكان الغالب عليهم الورع والاتباع، وقد قال لهم في المدوّنة: (ليس الشأن في رمضان القصص بالدعاء)، فيبعد من حالهم أن يحدثوا هذه البدعة، وينصبوا المنابر، ويخطبوا عند الختم!

ولو كان هذا؛ لشاع وانتشر، وكان يضبطه طلبة العلم، والخَلَف عن السّلف، فيصل ذلك إلى عصرنا، فلما لم ينقل هذا أحد ممن يعتقد علمه، ولا ممن هو في عداد العلماء؛ علم أن هذه حكاية العوامّ والغوغاء.

ثم يقال لهم: بمَ تنفصلون ممن يعارضكم بشكل آخر من جنسه، فيقول لكم: إن قرطبة أعظم من القيروان، وهي دار العلم والخلافة -فقد فَضَلَت القيروان بالخلافة-، ثم لم يُعهد فيها قطّ خطبةٌ ولا منبر ولا دعاء ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>