للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث: «للدنيا أهون على الله من شاة ميتة على أهلها» (١)؛ فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها! وذلك أنه ما لم يُعرف حقيقةُ الشيء؛ فلا يجوز أن يُمدح ولا أن يُذمّ.

فإذا بحثنا عن الدنيا؛ رأينا هذه الأرض البسيطة التي جُعلت قراراً للخلق؛ تخرج منها أقواتهم، ويُدفن فيها أمواتهم. ومثل هذا لا يذمّ لموضع المصلحة فيه. ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان؛ كله لمصالح الآدمي، وفيه حفظ لسبب بقائه، ورأينا بقاء الآدمي سبباً لمعرفة ربه وطاعته إياه وخدمته. وما كان سبباً لبقاء العارف العابد يُمدح ولا يُذمّ. فبان لنا أنّ الذّمّ إنما هو لأفعال الجاهل أو العاصي في الدنيا. فإنه إذا اقتنى المال المباح، وأدّى زكاته؛ لم يُلَمْ؛ فقد علم ما خلّف الزبير وابن عوف وغيرهما. وبلغت صدقة عليّ رضي الله عنه أربعين ألفاً. وخلّف ابن مسعود تسعين ألفاً. وكان الليث ابن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفاً. وكان سفيان يتجر بمال. وكان ابن مهديّ يستغلّ كل سنة ألفي دينار.

وإن أكثر من النكاح والسراري؛ كان ممدوحاً لا مذموماً: فقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - زوجات وسراريّ. وجمهور الصحابة كانوا على الإكثار في ذلك. وكان لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أربع حرائر وسبع عشرة أمة. وتزوج ولده الحسن نحواً من أربع مئة. فإن طلب التزوج للأولاد؛ فهو الغاية في التعبد، وإن أراد التلذذ؛ فمباح، يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى؛ من


(١) أخرجه: أحمد (٣/ ٣٦٥) والبخاري في الأدب المفرد (٩٦٢) ومسلم (٤/ ٢٢٧٢/٢٩٥٧) وأبو داود (١/ ١٣٠/١٨٦) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>