للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسمعه جاهل بالشرع؛ قبله؛ لتعظيمهم في نفسه. كما ينقل عن أبي يزيد رضي الله عنه أنه قال: تراعنت علي نفسي، فحلفت لا أشرب الماء سنة. وهذا إذا صحّ عنه؛ كان خطأ قبيحاً وزلة فاحشة؛ لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، ولا يقوم مقامه شيء؛ فإذا لم يشرب؛ فقد سعى في أذى بدنه، وقد كان يُستعذب الماء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها؟!

وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية أنه قال: سرتُ إلى مكة على طريق التوكل حافياً، فكانت الشوكة تدخل في رجلي، فأحكها بالأرض ولا أرفعها، وكان عليَّ مِسْحٌ، فكانت عيني إذا آلمتني؛ أدلكها بالمسح، فذهبت إحدى عينيّ.

وأمثال هذا كثير، وربما حملها القصاص على الكرامات، وعظموها عند العوامّ، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي وأحمد!!

ولعمري؛ إن هذا من أعظم الذنوب وأقبح العيوب: لأن الله تعالى قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (١). وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن لنفسك عليك حقّاً» (٢).

وقد طلب أبو بكر رضي الله عنه في طريق الهجرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ظلاًّ، حتى


(١) النساء الآية (٢٩).
(٢) جزء من حديث رواه أحمد (٢/ ٢٠٠) والبخاري (٣/ ٤٨/١١٥٣) ومسلم (٢/ ٨١٦/١١٥٩ [١٨٨]) والنسائي (٤/ ٥٢٧ - ٥٢٨/ ٢٣٩٠) من طرق عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>