للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصالحون هم الذين يتّبعون الشرع ولا يتعبّدون بآرائهم. وفي الحديث: «إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم» (١).

وكم يحثّون على الفقر، حتى حملوا أقواماً على إخراج أموالهم، ثم آل بهم الأمر: إما إلى التّسخّط عند الحاجة، وإما إلى التّعرضّ بسؤال الناس!

وكم تأذّى مسلم بأمرهم الناس بالتقلّل! وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلثٌ طعام، وثلث شراب، وثلث نفس» (٢)؛ فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل.

فحكى أبو طالب المكي في 'قوت القلوب': أن فيهم من كان يزن قوته بكَرَبَة رطبة؛ ففي كل ليلة يذهب من رطوبتها قليل! وكنت أنا ممّن اقتدى بقوله في الصّبا، فضاق المعي، وأوجب ذلك مرض سنين! أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة أو ندب إليه الشرع؟! وإنما مطية الآدمي قُواه؛ فإذا سعى في تقليلها؛ ضعف عن العبادة.

ولا تقولن: الحصول على الحلال المحض مستحيل؛ لذلك وجب الزهد؛ تجنباً للشبهات؛ فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال، ولا عليه من الأصول التي نبتت منها هذه الأموال؛ فإنا لو دخلنا ديار الروم، فوجدنا أثمان الخمور وأجرة الفجور؛ كان لنا حلالاً بوصف الغنيمة.

أفتُريد حلالاً على معنى أن الحبّة من الذهب لم تنتقل مذ خرجت من


(١) رواه أبو داود (٥/ ٢٠٩ - ٢١٠/ ٤٩٠٤) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: « ... لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدّد عليكم، فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ... ».
وقد ضعّفه ابن القيّم رحمه الله في تهذيب السنن (انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (٧/ ٢٢٧ - ٢٢٨)).
(٢) رواه: أحمد (٤/ ١٣٢) والترمذي (٤/ ٥٠٩ - ٥١٠/ ٢٣٨٠) وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه (٢/ ١١١١/٣٣٤٩) من حديث المقدام بن معديكرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>