للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرعت وقالت: أبي وما أبيه أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وفرع مديد، هيهات كذبت الظنون، أنجح إذ كذبتم، وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشيا وكهفها كهلا، يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعثها حتى حلته قلوبها. ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجدا يحيى فيه ما أماته المبطلون، فكان رحمة الله عليه غزير الدمعة، وقيذ الجوارح شجي النشيج، فانقصفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزؤون به {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها وفوقت له سهامها، وامتثلوه غرضا فما فلوا له سيفا ولا وضعوا له قناة، ومر على سيسبائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه، وألقى بركته، وأرسيت أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجا ومن كل فرقة أشتاتا وأرسالا، اختار الله لنبيه ما عنده، فلما قبض الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - نصب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله، وأجلب عليهم بخيله ورجله، فظن رجال أن قد تحققت أطماعهم ولات حين يرجون، وأنى والصديق بين أظهرهم، فقام حسرا مشمرا، فجمع حاشيته فرد بشيز الإسلام على غربه، ولم شعثه بطيه ...

وأقام اوده بثقافه، فابذعر النفاق بوطأته، وانتاش الدين فنعشه، فلما راح الحق على أهله وقرر الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، أتته منيته فسد ثلمته بنظيره في الرحمة، وشقيقه في السيرة والمعدلة، ذاك ابن


(١) البقرة الآية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>