للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيمن أهلكوا، حتى وسموهم وهم لا يشعرون بسمة الرعاع الغثر الذين لا يعقلون، فلما تمت عليهم حيل مكرهم، وحصلوا في قبضتهم، وأسرهم، وضحكوا منهم، وسخروا بهم، حتى انتهى الحال بطائفة من المنتمين إلى الخير، والعبادة، والزهد، والإرادة، إلى أن اعتقدوا أن الرقص بالأكمام، والاهتزاز بالأردان، على صلاصل الطارات، وتقطيع المزامير والشبابات، بأرق الأصوات والتلحينات، من أفضل العبادات، وأجلّ القربات، وزعموا أن ذلك يحصل لهم من المشاهدات السنية، والأذواق الحالية، والمكاشفات الإلهية، ما لا يصفه واصف، ولا يدرك كنهه إلا عارف، فجعلوا ذلك شعارهم، ودثارهم، وقطعوا في ذلك ليلهم ونهارهم، واكتفوا بذلك عن المجاهدات والأوراد، بل قالوا: قد وصلنا إلى المطلوب، وظفرنا بالمراد، وسموا ذلك بالسماع، وأتوا في ذلك بما تنفر عنه العقول، وتمجه الأسماع، وهذه كلها نتائج الجهل الصميم، والفهم السقيم، والطبع غير المستقيم، الجانح عن الخيرات والعبادات، الجانح إلى اللهو والشهوات، مع تزيين الشياطين المطيعة وتسويل النفوس المردية، وحيل الزنادقة المضنية، والعصمة من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (١)

- وقال في السماع عند الصوفية: فأما الصوفية: فمتقدموهم كانوا يطلقون السماع على فهم يقع لأحدهم بغتة، يكون عنده وجد وغيبة، سواء كان ذلك في نظم أو نثر أو غيرهما، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. وأما عند الملقبين اليوم بالصوفية في هذه الديار، فهو عبارة عن مجموع أمور


(١) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع (ص.٤٠ - ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>