للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحوال، ثم إنهم أخذوا يبحثون فيما أمسك عن البحث فيه السلف الصالح، ولم يوجد عنهم فيه بحث واضح، وهو كيفية تعلقات صفات الله تعالى، وتقديرها، واتخاذها في أنفسها، وأنها هي الذات، أو غيرها، وأن الكلام، هل هو متحد، أو منقسم؟ وإذا كان منقسما فهل ينقسم بالأنواع، أو بالأوصاف؟ وكيف تعلق في الأزل بالمأمور؟ ثم إذا انعدم المأمور فهل يبقى ذلك التعلق؟ وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو عين الأمر لعمرو بالزكاة؟ إلى غير ذلك من الأبحاث المبتدعة التي لم يأمر الشرع بالبحث عنها، وسكت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سلك سبيلهم عن الخوض فيها لعلمهم بأنها بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته، فإن العقول لها حد تقف عنده، وهو العجز عن التكييف لا يتعداه، ولا فرق بين البحث في كيفية الذات، وكيفية الصفات، ولذلك قال العليم الخبير: {لَيْسَ

كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} (١) ولا تبادر بالإنكار فعل الأغبياء الأغمار، فإنك قد حجبت عن كيفية حقيقة نفسك مع علمك بوجودها، وعن كيفية إدراكاتك، مع أنك تدرك بها. وإذا عجزت عن إدراك كيفية ما بين جنبيك، فأنت عن إدراك ما ليس كذلك أعجز.

وغاية علم العلماء، وإدراك عقول الفضلاء أن يقطعوا بوجود فاعل هذه المصنوعات منزه عن صفاتها، مقدس عن أحوالها، موصوف بصفات الكمال اللائق به.

ثم مهما أخبرنا الصادقون عنه بشيء من أوصافه، وأسمائه قبلناه،


(١) الشورى الآية (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>