للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن هذا المعنى لا يعرف عن أحد من أهل اللغات، لا العرب ولا غيرهم، إلا من هؤلاء الذين ابتدعوا لهذا اللفظ هذا المعنى. والقول بأن العالم محدث بهذا المعنى فقط ليس قول أحد من الأنبياء ولا أتباعهم، ولا أمة من الأمم العظيمة، ولا طائفة من الطوائف المشهورة التي اشتهرت مقالاتها في عموم الناس، بحيث كان أهل مدينة على هذا القول، وإنما يقول هذا طوائف قليلة مغمورة في الناس.

وهذا القول، إنما هو معروف عن طائفة من المتفلسفة المليين، كابن سينا وأمثاله. وقد يحكون هذا القول عن أرسطو، وقوله الذي في كتبه: أن العالم قديم، وجمهور الفلاسفة قبله يخالفونه، ويقولون: إنه محدث، ولم يثبت في كتبه للعالم فاعلا موجبا له بذاته، وإنما أثبت له علة يتحرك للتشبه بها، ثم جاء الذين أرادوا إصلاح قوله فجعلوا العلة أولى لغيرها، كما جعلها الفارابي وغيره، ثم جعلها بعض الناس آمرة للفلك بالحركة، لكن يتحرك للتشبه بها كما يتحرك العاشق للمعشوق، وإن كان لا شعور له ولا قصد، وجعلوه مدبرا بهذا الاعتبار -كما فعل ابن رشد وابن سينا- جعلوه موجبا بالذات لما سواه، وجعلوا ما سواه ممكنا. (١)

- وقال: وهذه الطرق التي أخذها ابن سينا عن المتكلمين، من المعتزلة ونحوهم، وخلطها بكلام سلفه الفلاسفة، صار بسبب ما فيها من البدع المخالفة للكتاب والسنة، يستطيل بها على المسلمين، ويجعل القول الذي قاله هؤلاء هو قول المسلمين. وليس الأمر كذلك، وإنما هو قول مبتدعتهم،


(١) درء التعارض (١/ ١٢٦ - ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>