شهد طاعة بلا معصية -يريد بذلك طاعة القدر- كقول بعض شيوخهم: أنا كافر برب يعصى، وقيل له عن بعض الظالمين: هذا ماله حرام، فقال: إن كان عصى الأمر، فقد أطاع الإرادة. ثم ينتقلون "إلى المشهد الثالث" لا طاعة ولا معصية، وهو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهذا غاية إلحاد المبتدعة جهمية الصوفية، كما أن القرمطة آخر إلحاد الشيعة، وكلا الإلحادين يتقاربان. وفيها من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب. (١)
- وقال: و'المتفلسفة' أسوأ حالا من اليهود والنصارى، فإنهم جمعوا بين جهل هؤلاء وضلالهم، وبين فجور هؤلاء وظلمهم، فصار فيهم من الجهل والظلم ما ليس في اليهود ولا النصارى، حيث جعلوا السعادة في مجرد أن يعلموا الحقائق حتى يصير الإنسان عالما معقولا مطابقا للعالم الموجود، ثم لم ينالوا من معرفة الله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله وخلقه وأمره إلا شيئا نزرا قليلا، فكان جهلهم أعظم من علمهم، وضلالهم أكبر من هداهم، وكانوا مترددين بين الجهل البسيط والجهل المركب؛ فإن كلامهم في الطبيعيات والرياضيات لا يفيد كمال النفس وصلاحها، وإنما يحصل ذلك بالعلم الإلهي، وكلامهم فيه: لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. فإن كلامهم في "واجب الوجود" ما بين حق قليل، وباطل فاسد كثير، وكذلك في "العقول" و"النفوس" التي تزعم أتباعهم من أهل الملل، أنها الملائكة التي أخبرت بها الرسل؛ وليس الأمر كذلك، بل