- وقال: وأما 'الإيمان بالرسول' فهو المهم، إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه؛ ولهذا كان ركنا الإسلام: 'أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله'. ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار، لا مجرد التصديق. والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد- تصديق الرسول فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر، كما أن الإقرار بالله هو الاعتراف به والعبادة له؛ فالنفاق يقع كثيرا في حق الرسول، وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته. والكفر: هو عدم الإيمان، سواء كان معه تكذيب أو استكبار، أو إباء أو إعراض؛ فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر. ثم هنا "نفاقان": نفاق لأهل العلم والكلام، ونفاق لأهل العمل والعبادة-.
فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه: فأن لا يرى وجوب تصديق الرسول فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر -علما وعملا- وأنه يجوز تصديقه وطاعته؛ لكنه يقول: إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا، ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته؛ إما بطريق الفلسفة والصبو، أو بطريق التهود والتنصر، كما هو قول الصابئة الفلاسفة في هذه المسألة وفي غيرها؛ فإنهم وإن صدقوه وأطاعوه فإنهم لا يعتقدون وجوب ذلك على جميع أهل الأرض؛ بحيث يكون التارك لتصديقه وطاعته معذبا؛ بل يرون ذلك مثل التمسك بمذهب إمام أو طريقة شيخ أو طاعة ملك؛ وهذا