للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إنه خاطب الجمهور بما يخيل إليهم، مع علمه أن الحق في نفس الأمر ليس كذلك. فهؤلاء يقولون: إن الرسل كذبوا للمصلحة.

وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية فالذين عظموا الرسل من هؤلاء عن الكذب نسبوهم إلى التلبيس والإضلال، والذين أقروا بأنهم بينوا الحق قالوا: إنهم كذبوا للمصلحة.

وأما أهل العلم والإيمان فمتفقون على أن الرسل لم يقولوا إلا الحق، وأنهم بينوه، مع علمهم بأنهم أعلم الخلق بالحق، فهم الصادقون المصدوقون علموا الحق وبينوه، فمن قال: إنهم كذبوا للمصلحة، فهو من إخوان المكذبين للرسل، لكن هذا لما رأى ما عملوا من الخير والعدل في العالم لم يمكنه أن يقول: كذبوا لطلب العلو والفساد، بل قال: كذبوا لمصلحة الخلق، كما يحكى عن ابن التومرت وأمثاله.

ولهذا كان هؤلاء لا يفرقون بين النبي والساحر إلا من جهة حسن القصد، فإن النبي يقصد الخير، والساحر يقصد الشر، وإلا فلكل منهما خوارق هي عندهم قوى نفسانية، وكلاهما عندهم يكذب، لكن الساحر يكذب للعلو والفساد، والنبي عندهم يكذب للمصلحة، إذ لم يمكنه إقامة العدل فيهم إلا بنوع من الكذب. (١)

- وقال: قد تدبرت عامة ما يذكره المتفلسفة والمتكلمة والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافية عن الكدر، وتأتي بأشياء لم يهتدوا لها، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع


(١) مجموع الفتاوى (١٩/ ١٥٧ - ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>