الثاني: تجريد متابعته وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه والرضا بحكمه والانقياد له والتسليم والإعراض عمن خالفه وعدم الالتفات إليه حتى يكون وحده الحاكم المتبع المقبول قوله، كما كان ربه تعالى وحده المعبود المألوه المخوف المرجو المستغاث به المتوكل عليه الذي إليه الرغبة والرهبة؛ وإليه الوجهة والعمل الذي يؤمل وحده لكشف الشدائد وتفريج الكربات ومغفرة الذنوب؛ الذي خلق الخلق وحده ورزقهم وحده وأحياهم وحده، وأماتهم وحده ويبعثهم وحده ويغفر ويرحم ويهدي ويضل ويسعد ويشقي وحده، وليس لغيره من الأمر شيء كائناً من كان بل الأمر كله لله ...
فهذا هو التعظيم الحق المطابق لحال المعظم النافع للمعظم في معاشه ومعاده الذي هو لازم إيمانه وملزومه؛ وأما التعظيم باللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به على نفسه، وأثنى به عليه ربه من غير غلو ولا تقصير؛ فكما أن المقصر المفرط تارك لتعظيمه، فالغالي المفرط كذلك، وكل منهما شر من الآخر من وجه دون وجه؛ وأولياؤه سلكوا بين ذلك قواماً؛ وأما التعظيم بالجوارح فهو العمل بطاعته والسعي في إظهار دينه، وإعلاء كلماته ونصر ما جاء به وجهاد ما خالفه.
وبالجملة: فالتعظيم النافع هو تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله وفيه وتحكيمه وحده والرضا بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله: فما وافقها من قول الرسول قبله وما خالفها رده أو تأوله، أو أعرض عنه، والله سبحانه