الحرام، ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود. ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق، واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين، فلو رأيتهم يهنئ بعضهم بعضا ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا وحظا، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجك كل عام.
هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم، إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح، كما تقدم. وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يؤول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه. وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته. والشر والضلال في معصيته ومخالفته. (١)
- وقال: فلو كان الدعاء عند القبور والصلاة عندها والتبرك بها فضيلة أو سنة أو مباحا، لنصب المهاجرون والأنصار هذا القبر علما لذلك، ودعوا عنده، وسنوا ذلك لمن بعدهم، ولكن كانوا أعلم بالله ورسوله ودينه من الخلوف التي خلفت بعدهم، وكذلك التابعون لهم بإحسان راحوا على هذا السبيل، وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمصار عدد