كالمشاهد كشفا وعيانا. فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكم ظاهر الشريعة، وعندنا باطن الحقيقة، ولكم القشور ولنا اللباب. فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار، ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها من الآيات البينات، وأنها من قبل الله سبحانه إلهامات وتعريفات، فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان، فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان. وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم. (١)
- وقال رحمه الله: ومن كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلي والزهد والرياضة العمل بها حسهم وواقعهم دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطأ، وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم.
فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع: رحماني، وشيطانية، ونفسانية؛ كالرؤيا، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما بلغ، فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقانه إلى الموت، والشيطان يجري منه مجرى الدم، والعصمة إنما هي للرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومن عداهم يصيب ويخطىء، وليس بحجة على الخلق.