للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان سيد المحدثين الملهمين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول الشيء فيرده عليه من هو دونه، فيتبين له الخطأ فيرجع إليه، وكان يعرض هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليها ولا يحكم بها ولا يعمل بها. وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شيء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليهما؛ ويقول حدثني قلبي عن ربي، ونحن أخذنا عن الحي الذي لا يموت وأنتم أخذتم عن الوسائط، ونحن أخذنا بالحقائق وأنتم أخذتم الرسوم، وأمثال ذلك من الكلام الذي هو كفر وإلحاد، وغاية صاحبه أن يكون جاهلا يعذر بجهله، حتى قيل لبعض هؤلاء، ألا تذهب فتسمع الحديث من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الملك الخلاق؟!.

وهذا غاية الجهل؛ فإن الذي سمع من الملك الخلاق: موسى بن عمران كليم الرحمن، وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول، وهو يدعي أنه يسمع الخطاب من مرسله، فيستغني به عن ظاهر العلم، ولعل الذي يخاطبهم هو الشيطان، أو نفسه الجاهلة، أو هما مجتمعين ومنفردين.

ومن ظن أنه يستغني عما جاء به الرسول بما يلقى في قلبه من الخواطر والهواجس فهو من أعظم الناس كفرا. وكذلك إن ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة، فما يلقي في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان. (١)


(١) إغاثة اللهفان (١/ ١٩٢ - ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>