للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها وبالمتكلم بها، وعطلوها عن حقائقها التي هي عين كمال الموصوف بها. ونقتصر من ذلك على مثال ذكره بعض الجهمية ونذكر ما عليه فيه.

قال الجهمي: ورد في القرآن ذكر الوجه، وذكر الأعين، وذكر العين الواحدة، وذكر الجنب الواحد، وذكر الساق الواحد، وذكر الأيدي، وذكر اليدين، وذكر اليد الواحدة فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة، وله جنب واحد عليه أيد كثيرة، وله ساق واحد، ولا يرى في الدنيا شخص، أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة، ولا يظن أن عاقلا يرى أن يصف ربه بهذه الصفة.

قال السني المعظم لحرمات كلام الله: قد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن، الذي هو حجة الله على عباده، والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه، وهو الذي هدى الله به عباده، وجعله شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ولم ينزل كتاب من السماء أهدى منه، ولا أحسن ولا أكمل، فانتهكت حرمته وَعَضَهْتَهُ، ونسبته إلى أقبح النقص والعيب، فادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وفيه أعين كثيرة، وله جنب واحد، وعليه أيد كثيرة، وله ساق واحد. فادعيت أن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة المستقبحة، فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصفات في ظاهر كلامه، فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره ومدلوله، وهل هذا إلا من جنس قول الذين جعلوا القرآن عضين، فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو شعر، أو كذب مفترى، بل هذا أقبح من قولهم من وجه: فإن أولئك أقروا بعظمة

<<  <  ج: ص:  >  >>