ثم سلك آثارهم التابعون لهم بإحسان، فاقتفوا طريقهم، وركبوا منهاجهم، واهتدوا بهداهم، ودعوا إلى ما دعوا إليه، ومضوا على ما كانوا عليه.
ثم نبغ في عهدهم وأواخر عهد الصحابة القدرية مجوس هذه الأمة، الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، فمن شاء هدى نفسه، ومن شاء أضلها، ومن شاء بخسها حظها وأهملها، ومن شاء وفقها للخير وكملها، كل ذلك مردود إلى مشيئة العبد ومقتطع من مشيئة العزيز الحميد. فأثبتوا في ملكه ما لا يشاء، وفي مشيئته ما لا يكون.
ثم جاء خلف هذا السلف فقرروا ما أسسه أولئك من نفي القدر وسموه عدلا، وزادوا عليه نفي صفاته سبحانه وحقائق أسمائه وسموه توحيدا.
فالعدل عندهم إخراج أفعال الملائكة والإنس والجن وحركاتهم وأقوالهم وإراداتهم من قدرته ومشيئته وخلقه.
والتوحيد عند متأخريهم تعطيله عن صفات كماله ونعوت جلاله، وأنه لا سمع له ولا بصر ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة تقوم به ولا كلام، ما تكلم ولا يتكلم، ولا أمر ولا يأمر، ولا قال ولا يقول، إن ذلك إلا أصوات وحروف مخلوقة منه في الهواء أو في محل مخلوق، ولا استوى على عرشه فوق سماواته، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا ينزل الأمر والوحي من عنده، وليس فوق العرش إله يعبد ولا رب يصلى له ويسجد، ما فوقه إلا العدم المحض والنفي الصرف، فهذا توحيدهم وذاك عدلهم.