للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه أكمل من العلم الذي لا يعمل به، فإذا لم يحصل اللازم دل على ضعف الملزوم. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المخبر كالمعايِن» (١) وموسى عليه السلام لما أخبِر أن قومه عبدوا العجل لم يلق الألواح، فلما رآهم قد عبدوه ألقاها، وليس ذلك لشك موسى في خبر الله، لكن المخبَر، وإن جزم بصدق المخبِر، فقد لا يتصور المخبَر به نفسه، كما يتصوره إذا عاينه، كما قال إبراهيم الخليل صلوات الله على نبينا محمد وعليه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (٢). وأيضاً: فمن وجب عليه الحج والزكاة مثلا، يجب عليه من الإيمان أن يعلم ما أمِر به، ويؤمن بأن الله أوجب عليه ما لا يجب على غيره الإيمان به إلا مجملا، وهذا يجب عليه فيه الإيمان المفصل. وكذلك الرجل أول ما يُسلم، إنما يجب عليه الإقرار المجمل، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها ويؤديها، فلم يتساو الناس فيما أمِروا به من الإيمان. ولا شك أن من قام بقلبه التصديق الجازم، الذي لا يقوى على معارضته شهوة ولا شبهة: لا تقع معه معصية، ولولا ما حصل له من الشهوة والشبهة أو إحداهما لما عصى، بل يشتغل قلبه ذلك الوقت بما يواقعه من المعصية، فيغيبُ عنه التصديق والوعيد فيعصي.

ولهذا -والله أعلم- قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو


(١) أخرجه: أحمد (١/ ٢١٥ - ٢٧١) والحاكم (٢/ ٣٢١) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان (١٤/ ٩٦/٦٢١٣) من حديث ابن عباس.
(٢) البقرة الآية (٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>