للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمن»، الحديث (١). فهو حين يزني يغيب عنه تصديقه بحرمة الزنا، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، ثم يعاوده. فإن المتقين كما وصفهم الله بقوله: {إِن الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} (٢). قال ليث عن مجاهد: هو الرجل يَهُمّ بالذنب فيذكر الله فيدعه. والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع. ثم قال تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)} (٣)، أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس: لا الإنس تقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يبصر بقي قلبه في عمى، والشيطان يمده في غيِّه، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب، فذلك النور والإبصار، وتلك الخشية والخوف تخرج من قلبه. وهذا كما أن الإنسان يغمض عينه فلا يرى، وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب، بما يغشاه من رَيْن الذنوب، لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر. وجاء هذا المعنى مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا زنا العبد نُزع منه الإيمان، فإذا تاب أعيد إليه». (٤)

إذا كان النزاع في هذه المسألة بين أهل السنة نزاعاً لفظياً، فلا محذور


(١) تقدم تخريجه ضمن مواقف الحسن البصري سنة (١١٠هـ).
(٢) الأعراف الآية (٢٠١).
(٣) الأعراف الآية (٢٠٢).
(٤) أخرجه: أبو داود (٥/ ٦٦/٤٦٩٠) والحاكم (١/ ٢٢) من حديث أبي هريرة وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وصححه أيضاً الحافظ في الفتح (١٢/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>