عنده حقيقة الدين، إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين عن كفار إذ نسبوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكفر. وقوم خرجوا إلى القول بادعاء النبوة لقوم سموهم به، وقوم سلكوا بهم إلى القول بالحلول وسقوط الشرائع، وآخرون تلاعبوا بهم فأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وآخرون قالوا: بل هي سبع عشرة صلاة في كل صلاة خمس عشرة ركعة، وهو قول عبد الله بن عمرو بن الحارث الكندي قبل أن يصير خارجيا صفريا. وقد أظهر عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي الإسلام، ليكيد أهله، فكان هو أصل إثارة الناس على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحرق علي رضي الله عنه منهم طوائف أعلنوا بإلهيته، ومن هذه الأصول حدثت الإسماعيلية والقرامطة.
والحق الذي لا ريب فيه أن دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجوهر لا سر تحته، وهو كله لازم كل أحد لا مسامحة فيه، ولم يكتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشريعة ولا كلمة، ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ولد عم على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم، ولا كان عنده - صلى الله عليه وسلم - سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه، ولو كتم شيئا لما بلغ كما أمر، ومن قال هذا، فهو كافر بإجماع الأمة. وأصل كل بدعة في الدين البعد عن كلام السلف والانحراف عن اعتقاد الصدر الأول، حتى بالغ القدري في القدر، فجعل العبد خالقا لأفعاله، وبالغ الجبري في مقابلته، فسلب عنه الفعل والاختيار، وبالغ المعطل في التنزيه فسلب عن الله تعالى صفات الجلال ونعوت الكمال، وبالغ المشبه في مقابلته، فجعله كواحد من البشر، وبالغ المرجئ في سلب العقاب، وبالغ المعتزلي في التخليد في العذاب،