للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودينه، ولم تأخذه في ذلك لومة لائم. فأما كلام الحنابلة فقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لما ذكر حديث الخوارج (١): فإذا كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضا، وذلك بأمور منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى، كالغلو في بعض المشايخ كالشيخ عدي، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يدعوه من دون الله بأن يقول: يا سيدي فلان أغثني، أو أجرني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، فإن الله أرسل الرسل ليعبد وحده لا يجعل معه إله آخر، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصالحين أو غيرهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم، يقولون: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (٢) فبعث الله الرسل تنهى أن يدعى أحد من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. اهـ

- وقال في الاقتناع في أول باب حكم المرتد أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم فهو كافر إجماعا. وأما كلام الحنفية فقال الشيخ قاسم في شرح درر البحار: النذر: الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلا: يا سيدي إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الطعام أو الشمع كذا وكذا باطل إجماعا، بوجوه منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز، ومنها: أنه ظن الميت يتصرف في الأمر، واعتقاد هذا كفر؛ إلى أن قال: وقد ابتلي الناس بذلك ولا سيما في مولد الشيخ أحمد البدوي، وقال الإمام البزازي في فتاويه: إذا رأى رفض صوفية زماننا هذا في المساجد مختلطا بهم جهال العوام، الذين لا يعرفون القرآن والحلال والحرام، بل لا يعرفون الإسلام والإيمان، لهم نهيق يشبه نهيق الحمير، يقول: هؤلاء لا محالة اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، فويل للقضاة والحكام حيث لا يغيرون هذا مع قدرتهم.

وأما كلام الشافعية فقال الإمام محدث الشام أبو شامة وهو في زمن الشارح وابن حمدان في كتاب 'الباعث على إنكار البدع والحوادث': لكن نبين من هذا ما وقع فيه جماعة من جهال العوام، النابذين لشريعة الإسلام، وهو ما يفعله الطوائف من المنتسبين إلى الفقر، الذي حقيقته الافتقار من الإيمان من مؤاخاة النساء الأجانب، واعتقادهم في مشائخ لهم، وأطال رحمه الله الكلام -إلى أن قال-: وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدا ممن شهر بالصلاح، ثم يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر وهي ما بين عيون وشجر وحائط، وفي مدينة دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة، ثم ذكر رحمه الله الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال له بعض


(١) أحمد (١/ ٤٠٤) والترمذي (٤/ ٤١٧ - ٤١٨/ ٢١٨٨) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (١/ ٥٩/١٦٨) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) يونس الآية (١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>