والوقوف عند كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما بلغته، فكما كان اجتهاد السلف رحمهم الله في جمع الأدلة واستنباط الأحكام منها فالواجب عند الخلاف تتبع تلك الأدلة والاستنباطات والأخذ بالأصح منها مع من كان وبيد من وجد، فإن الحق واحد لا يجزئه الاختلاف، وكل واحد من أولئك الأئمة يدأب في طلبه جادا مجتهدا إن أصابه فله أجران وإن أخطأه فله أجر والخطأ مغفور، وهذه أقوالهم مدونة في كتبهم، كلها تذم الرأي في الدين، وتحث من بعدهم على اقتفاء أثرهم في طلب الحق أين ما كان، ولم يدع أحد منهم إلى تقليده، ولم يكن أحد منهم معصوما ولا ادعى ذلك ولا قال: إن الحق معي لا يفارقني فتمسكوا بما أقول وأفعل، ولا كان لأحد منهم التزام قول أحد من آحاد الأمة لا ممن هو مثلهم ولا من هو أفضل منهم فضلا عمن هو دونهم، ولم يكن لهم أن يلتزموه فيما خالف النص الذي لم يبلغه أو لم يستحضره، ولو كان ذلك خيرا لسبقونا إليه، بل كان إمام الجميع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بين للناس ما نزل إليهم، ويتبعون آثاره من الأفعال والأقوال والتقريرات، يتلقنونها من حفاظها من كانوا وأين كانوا وبيد من وجدوها، وقفوا عندها ولم يعدوها إلى غيرها.
وكانت طريقتهم في تلقي النصوص أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون ما يفسر لهم المتشابه ويُبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضا، ويصدق بعضها بعضا، فإنها كلها من عند الله وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره،