للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصوصهما وأجمع عليه الصحابة والتابعون فمن بعدهم كما حكى إجماعهم هو وغيره، وكما هو المشهور من سيرتهم في الأقوال والأفعال. ونصوصهم في هذا الباب ملء الدنيا، وتصانيفهم في ذلك قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها، ولو رأوا ما عليه مقلدوهم في هذا الوقت لتبرأوا منهم ومقتوهم أشد المقت، فإنهم ليسوا على ما كانوا عليه، ولا اهتدوا إلى ما أرشدوهم إليه، بل اختلفوا اختلافا شديدا وافترقوا افتراقا بعيدا، وكل منهم يحصر الحق في إمامه ويرى ما خالفه باطلا، ويرى سائر أهل العلم مفضولين وإمامه فاضلا، وإذا خالف مذهبه نصا ضرب له الأمثال، وتكلف له التأويل المحال، ويقابله الآخر بمثل ذلك، فهم بين راد ومردود وحاسد ومحسود، وكان فيهم شبه من الذين قال الله تعالى فيهم {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)} (١)،

ولم يعلم هؤلاء المساكين أن سلفهم الصالح الذين يزعمون الاقتداء بهم كانوا أبعد من هذه الصفة بعد ما بين المشارق والمغارب، بل كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم أجل شأنا وأكمل إيمانا من أن يقدموا بين يدي الله ورسوله، بل هم تبع له في أوامره ونواهيه، ولنصوص الشرع أعظم عندهم من أن يقدموا عليها آراء الرجال، وهي أجل قدرا في صدورهم من أن تضرب لها الأمثال، وأعلى منزلة من أن تدفع بالأقيسة والتأويل المحال، وإنما المقتدي بهم على الحقيقة من اقتفى أثرهم واتبع سيرهم وحفظ وصيتهم وأحيا سنتهم في طلب الحق وأخذه أين وجده،


(١) الروم الآية (٣٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>